للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضمرَه، فإذا جاء تفسيرُ ذلك بأنَّه العُشْرُ أو رُبع العُشْرِ، أو مقدارٌ (١) ما، سارع إلى الإيتاءِ بسهولةٍ وطِيبِ نفس، لِمَا كانَ جَوَّزَه من تفسير ذلك بالنصفِ أو الثُّلثين، فحازَ بذلك ثوابَ الإضمارِ الأول، واعتقاد الطَّاعةِ فيما كَثُرَ، وسَهُلَ عليه من التكليفِ في تفسيره بالقَدْر الناقصِ عمَّا كان التزَمَه، وهاتان المصلحتان تغطِّيان على الجهل الذي لا يضرُّ مثلُه في التكليف.

وهل التكليف إلا بين أمرين: تجهيلٍ، وتعريفٍ؟ وكم جهَّل ثم كَشفَ، وجهَّلَ وأدام التجهيلَ، فلم يَكْشِفْ، فمن الآيات ما كشفها، وهي النصوص، ومن الآياتِ ما كتمَ مرادَه منها، وهي المتشابهاتُ التي لا يعلم تأويلها إلا اللهُ، وأكثَرُ أهْلِ العلم باللغة والأصول على ذلك، وجهَّلنا بحقائق (٢) أشياء عَلَّمَناها جُملةً، وجهَّلنا بحقائقها تفصيلاً، وكَلَّفَنا (٣) اعتقاد تأبيد العملِ، وكَشَفَ عن مراده بالمدةِ حين جاءنا بنسخِ ما كان شرعَ، وكتمنا الآجالَ والأرواحَ، ومتى الساعةُ، وردَّ السؤالَ عن ذلك، فقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: ١٨٧] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥]، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: ٣٤] , لَمَّا لم يكن بنا حاجةٌ إلى معرفةِ ذلك، كذلك الجهلُ ها هنا قبل الحاجةِ، جهلٌ بما لا حاجةَ بنا إليه.


(١) في الأصل: "مقداراً".
(٢) في الأصل: "لحقائق".
(٣) في الأصل: "فكلفنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>