للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك غير جائزٍ على الله سبحانه، كذلك لا يجوزُ أن يأمرهم بلفظٍ ظاهرُه العمومُ، وهو يريد به الخصوصَ.

فيقال: [هذا] باطل؛ إذا قالَ به (١) يُفْضِي إلى أن ينطقَ بالعمومِ، ويعدلَ عنه إلى الخصوصِ.

على أن الذي أراد منهم بذلك: اعتقاد طاعته فيما أظهرَ من العموم، وطاعته في العمل بالتخصيص المجوز وُرُوده، كما أنه إذا أمر باستقبال بيت المقدس، وجب تلقي ذلك بالطاعةِ، والانقيادِ إلى ما أظهر، وظاهرُه يعطي التأبيدَ، وإن كان يريدُ بذلك وقتاً مخصوصاً، وكلُّ عذرٍ لهم في تجويزِ النسخ -وهو تخصيصُ زمانٍ-، هو عذرُنا في ورودِ لفظِ العموم، وإنْ تأخَرَ بيانُ تخصيصِ الأعيانِ عن الخطاب به، وفارقَ ما ذكروه من أمرِه بالقيامِ وهو يريدُ القعودَ، وقتلِ المشرَكينَ وهو يريدُ استبقاءَهم، لأنَّ ذلك ليس من أقسامِ الكلام، ولا يستعملُ في موضعٍ ما، فأمَّا العمومُ الذي يردُ عليه الخصوصُ مبيّناً أنه كان هو المراد، فسائغ في لغتهم، مستعملٌ في عادتِهم، فصارَ كأحدِ أقسامِ المجازِ والتوسُّع.

ومنها: أنَّ تأخيرَ البيانِ عن الخطابِ، يوجبُ نسخَ ما يخصُّ منهما (٢) بعد وروده على التراخي، ونحن لا ننكرُ النسخَ، وإنما ننكرُ أن يكونَ البيانُ المتأخرُ تخصيصاً.

فيقال: هذا باطلٌ؛ لأن النسخَ إنَّما يصحُّ بعد ثبوتِ الأحكامِ واستقرارها، ولفظُ العموم الواجب تنفيذُه على التراخي لم يستقرَّ بعد كونهِ عموماً إن تُركنا وظاهِرَه، ويجوز ورودُ ما يخصهُ، فبطلَ ما


(١) في الأصل: "قارنه".
(٢) في الأصل: "منها".

<<  <  ج: ص:  >  >>