للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أمراً لهم، ولا الإباحةُ له إباحةً لهم.

فيقالُ: إنَّ التكليفَ عمَّ الجماعةَ، وخُصَّ قومٌ دونَ قومٍ بأشياءَ بدلائلَ خاصَّة، وإلا فالمساواة هي (١) الأصلُ، حيث قال الله تعالى للكل: {وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: ١٥٨]، وقال هو - صلى الله عليه وسلم -: "أمري للواحدِ أمري للجماعة، أَمْري للمَرْأَةِ أَمْري لأَلفِ امْرأَةٍ" (٢)، والإيجابُ هو الأصلُ، إلا أن تأتيَ دلالةٌ تصرفُ اللفظَ عن ظاهرِه، والدليلُ عليه: أنه لا يَتَعَبَّدُ من قِبَل نفسه، بل باستدعاءٍ وطلبٍ، والأصلُ مع عَدم العلم بقرينةٍ: الوجوبُ.

وقالَ بعضُ أهلِ العلم: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الأُمَّةِ للاتبِّاع له، كالكعبةِ للاستقبالِ لها، فهي (٣) للكل إلا من أُخْرِجَ بدلالة اَلعُذْرِ، كذلكَ النبي - صلى الله عليه وسلم - للاتباع في قوله استجابةً، وفي فعلِه (٤) اقتداءً، إلا ما خُصَّ به دون أُمَّتَه بدلالةٍ.

فإن قيل: لو كان ما يفعلُه واجباً، لم يخلُ أنْ يكونَ واجباً عليه خاصَّةً، أو واجباً علينَا وعلَيْه، فإن كان واجباً علينا وعليه، وتشاغَلَ بفعله، ولم يُبَلِّغْنا الصيغةَ التي أوْجَبَتْ، فما بَلَّغَ، وحاشاه مع قوله [سبحانه] له: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧]، وإن كان هذا الفعلُ هو بلاغه، فقد قصر؛ حيثُ أبدلَ الصيغَ والأقوالَ التي تعطي المعاني


(١) في الأصل: "في".
(٢) لا أصل له بهذا اللفظ، وقد تقدمت الإشارة إلى ما يفيد معناه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قولي لمائة امرأة، كقولي لامرأة واحدة" انظر ٢/ ١٢١.
(٣) في الأصل: "وهي".
(٤) في الأصل: "قوله".

<<  <  ج: ص:  >  >>