للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرون" (١)، ثم أكَّدَ البيانَ بأصابعهِ، فقال: "الشهرُ هكذا وهكذا وقال: "أَوَقَدْ فعلوها؟ حَوِّلُوا مَقْعَدَتي إلى القِبْلَةِ" (٢).

فهذهِ الرواياتُ دلَّت على بيانِ القولِ بالفعلِ مع وجودِ القولِ، وهذا تقديمٌ وترجيح للفعلِ على القولِ.

ومنها: أن قالوا: كلُّ مُعَلِّمٍ ومُبَيِّنٍ إذا أراد إيصالَ فهمِ ما يقولُ إلى مَن يُعلِّمُه ويُخبِرُه، استعان بإشارتِه بيدِه، وبالخطوطِ والأشكالِ في ذلك، وهذا لمعنى، وهو أنَّ من الهيئات ما لا تتحصل صورتهُ في القلب، بمجردِ النُّطقِ؛ حتى ينضمَّ إليه تصويرُ ذلك بالفعل، وإذا كان هذا هكذا، بانَ أنَّ الفعلَ مُقَدَّمٌ في بابِ البيان.

فيُقال: أمَّا مَا ذكرتَ، فيعطي انَّهما سواء؛ لأنَّكَ اسَتَدلَلْتَ بأنَّه وُجِد البيانُ بالفعلِ، ووجدَ البيانُ بالقولِ، وهذا يوجبُ تجويزَ البيانِ بهما، ونحنُ قائلون به، فأمَّا الترجيحُ، فيحتاجُ إلى شيءٍ آخرَ.

والقولُ الفصلُ عندي في ذلك: أنَّ لنا أفعالاً يَقْصُرُ القول عنها، فالتعبيرُ عنها بالصور أبلغُ منه بالصِّيَغ؛ لأنَّ الصُورَ إلى الصورِ أقرب، ودْلكَ مثلُ قولِ القائلِ: رمى رسولُ الله بمثلِ حصى الخذْفِ، هذا بيان، فإذا أخذ من الأرض حصاةً، ثم خذف بها، فقال: بمثلِ هذه رمى، وكذا رمى، فأبان بقَدِّهَا صورةً، وبرَمْيِه بها صورةً، كانَ أبلغَ.

وكذلكَ بيانُ قوله: "إذا التَقَى الخِتانان، وجَبَ الغُسْل" (٣)، فأخَذَ


(١) تقدم تخريجه ١/ ١٩٤.
(٢) تقدم تخريجه ص (١٣١).
(٣) تقدم تخريجه ص (١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>