للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشكل بيده صورة الالتقاء، وأنه محاذاةُ جلدةِ ختانِه لجلدة خِتانها، كتقابل الفارسين؛ إذ ليس بينهما اجتماع (١)، كان أبلَغَ.

وكذلكَ إذا أرادَ بيان أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم بضربةٍ واحدة، وجعلَ بطونَ أصابِعه لوجهِه، وبطونَ كَفَّيْهِ ليديه، [كان] التصويرُ أبلغَ من التقريرِ بالقول.

فهذا وأمثالُه مما لا بدَّ للقولِ من إشارةٍ بصورةِ الفعلِ؛ ليحصلَ الفهمُ، حتى إنَّ المبطىءَ الفَهْم يتحصلُ له بالإشَارَةِ ها هنا في أمثال هذه الصُوَر ما لا يتحصلُ له بالعبارةِ.

ولنا أشياءُ لا يتأتى فيها له التصويرُ بالفعلِ، ولا يخرجُ البيانُ عنها إلا صيغةَ قولٍ لا صورةً، وذلك مثلُ أعمالِ القلوبِ، والدواخلِ على النفوسِ من الآلامِ التي تتحصلُ لكلِّ واجدٍ لها، ومن عرضت له، في خاصّةِ نفسِه، دون أن تتعدَّى إلى غيرِه، فإذا أرادَ أن يُعْلِمَ بها غيرَه، صاغ (٢) قولاً يُعبِّرُ به عنها، إذ لا يمكنُه إخراجُها بشكلٍ يدركُه العيان.

فإذا ثبت هذا، وأنّ لقَبيلٍ (٣) من الأفعالِ هذا التأكيدَ الذي يحصلُ به تأكيدُ بيانِ القول، ولقَبِيلٍ منها هذا التقصيرَ الذي لا يحصلُ به البيان، جئنا إلى ترجيح القول، فقلنا: إنَّ القولَ ينوبُ عن الأمورِ العارضةِ في النفوس، إذ لكل منها اسمٌ موضوعٌ، وعن الصورِ الظاهرةِ أيضاً، فقدَ عملَ القولُ في الأمرين جميعاً، وإن كانَ في أحدِهما أقصرَ، والصورُ من الأفعالِ لا تعمل في البيانِ عن أعمالِ


(١) في الأصل: "اخماع".
(٢) في الأصل: "صار".
(٣) في الأصل: "القبيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>