للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرائع مَنْ قبلَنا لا يَتبعُ بعضُنا بعضاً فيهِ، كما لا يقال فيما أُوحِيَ إلى نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - موافقاً (١) ما أوحِيَ إلى مَنْ قبلَهُ: إنَّهُ متبعٌ فيهِ مَنْ سبقَهُ، ولا اعتقدَ ما اعتقدَهُ مِنْ أصلِ الإثباتِ والتوحيدِ، لما وَصَلَهُ مِنْ أن غيرَهُ كان يعتقدُهُ، بل نَظَرَ واعْتبَر، فأفَادَهُ نظرُهُ واستدلالُهُ إلى ما أدَّاهُمِ نظرُهُم، بخلافِ الصلاةِ والصيامِ، فإنَهُ إذا ثبتَ عندَهُ أنَّ شهرَ رمضان اتَّفَقَ على صومِهِ مَنْ تَقدَّمَ مِنَ الأنبياءِ، صامَهُ بطريقِ الاتباعِ لِمَنْ سَبَقَ، وكان وحيُ اللهِ سبحانَهُ بإيجابِ صومِهِ إلى مَنْ سَبَقَ كافياً، وكذلكَ الصلاةُ كانَ يَتحنثُ بحِراءَ، ويعبدُ اللهَ سبحانَه (٢) بما ثبتَ عندَهُ انَّهُ تَعبَّدَ بهِ إبراهيم عليهِ السلامُ، فهذا هو الاتباعُ حقيقةً.

على أن اللفظَ عامٌّ، والأمرَ شاملٌ لكلِّ ما يُسمى هُدى، وتوحيدُهُم هُدى، وتعبداتُهم هُدى، فلا وجهَ للتخصيصِ بالإيمانِ خاصةً دونَ أعمالِهِ.

فأمَّا قولُهم: إنَّ الفروعَ قد اختلَفَتْ فيها شرائعُ مَنْ قبلَهُ، فلا يمكنُ الاتباعُ مع الاختلافِ؛ فإنَّ المأخوذَ عليه أن يتبعَ ما اتفقوا عليه، إِنْ ثَبَتَ أنَّ ذلكَ الأمرَ شرعٌ لهم، وإنْ كان منسوخاً اتبعَ المِلَّةَ الآخرةَ الناسخةَ، ولمِ يتبعْ منسوخاً، ولا نتصورُ ما ذكرْتَ أنتَ مِنَ الثالثِ، وهو أنْ يكون مختلَفاً فيهِ غيرَ منسوخٍ؛ لأنَّهُ لا يجوزُ أنْ يأتيَ عيسى بتحريمِ الأحدِ، مع بقاءِ شريعةِ موسى بتحريمِ السبتِ وإباحةِ الأحدِ، بل لمَّا جاءَ عيسى بعدَ موسى (٣ فما أَخَذَ به ٣) مِنْ شريعةِ موسى من تحريمٍ وإيجابٍ وتحليلٍ، فقد صارا متفقين فيهِ، وما جاءَ


(١) في الأصل: "موافق".
(٢) أخرجه البخاري (٣)، ومسلم (٢٥٢).
(٣ - ٣) في الأصل: "فيما أحدثه".

<<  <  ج: ص:  >  >>