للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه قد كان يجتمع في العصر الواحد أنبياءُ عدة، فلما بعث نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، لم يبقَ نبيٌّ في عصره، ولا بقيَ نبيٌّ بعده ينسخُ شريعته، فاستوعبت رسالته وشريعتُه سائرَ الأقطارِ، وشاعت في الأرضِ كلِّها، ولَزِمَتْ (١) كلَّ من بلغه دعوتُه، حتى إنَّ الأديانَ التي بقيت كتُبها، وبقايا أهلها، أُمروا باتباعِه، فهذا موضعُ الخصيصةِ، وموسى بقيت شريعتُهُ، لكن بقيت مع شريعتِه شريعةُ عيسى، فهما شريعتان مستعملتانِ إلى أن بُعِثَ نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلما بعث نبينا - صلى الله عليه وسلم -، صار الحكمُ لِمَا جاءَ به من شريعتهِ، ولم يبقَ معه شريعةٌ تُتَّبعُ، فهو وإن اتبعَ شريعتي موسى وعيسى، إلا أنهما أُمِرا -أعني: بقيّهَ من بقيَ منهما- أن يسمعا ما يقولُ لهما، وما يقضي به على نسخ ما كان من شريعتهما، ولو كان مثلَ عيسى، لكان يَبْقى اليهود والنصارى على اتِّباع نبيهما إلا فيما نُسِخَ، وما كانَ الأَمرُ كذا، بل أُخِذَ عليهما جميعاً تركُ التوراةِ والإنجيلِ، والعملِ بحكمهما، ووجبَ عليهما اتباعُ ما جاءَ به، والتعويلُ على ما يخبرُ هو به عن الشريعتين جميعاً، دون ما في كتبهما من التوراةِ والإنجيلِ.

ومنها: ما رويَ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان معه شيء من التوراة ينظر فيه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان موسى حَيّاً، لَمَا وَسِعَه إلا اتِّباعي" (٢)، وروي أنَّه قال له: "أَلم آتِ بها بيضاءَ نَقيَّةً؛ لو أَدْركَني موسى، لَمَا وَسِعَه إلا اتِّباعي"، فوجه الدلالة: أنه أنكرَ النظرَ


(١) في الأصل: "ولزم".
(٢) أخرجه أحمد ٣/ ٤٧٠ - ٤٧١ من حديث عبد الله بن ثابت الأنصاري، و ٣/ ٣٣٨ من حديث جابر بن عبد الله، وأخرجه البغوي في "شرح السنة" ١/ ٢٧٠. وانظر "مجمع الزوائد" ١/ ١٧٣ - ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>