للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لدوا للموتِ وابنو للخرابِ (١)

[وقال تعالى]: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠]، فسَمَّتِ (٢) الشيءَ بعاقبتِهِ، مضرةً كانت، أو منفعةً.

والذي يوضح [ذلك]: أن هذهِ الآية لا تمنعُ أثقالَ تكاليفهِ المبتدأةِ، وبلاويه في الأموال والأبدانِ، والدواهي الثقيلةَ على الطباعِ، وغيرَ ذلك؛ مما [لا] يسوغُ لمسلم أن يقول: إنه يُخرِجُ قولَه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، عن الصدق، بل الواجبُ تأويلُ ذلك على ما يوجبُ تخفيفاً لا بد أن يقع، إما الآنَ أو في الثاني، فليس تختص مُناقضَةُ الخبر بنفي التخفيفِ في النسخِ خاصةَ، بل بكلً تثقيلِ، فكل ما تَدفعُ به عن الآيةِ المناقضة، مع تجويزكَ التثقيلَ بتكليفِ مبتدأِ، هو الذي يَدفَعُ المناقضةَ عنها بالنسخِ للأسهلِ بالأثقلِ.

والذي يُجْمعُ به بين ثِقَلِ التكليفِ المبتدأ، وبين خَبرِه بإرادةِ التخفيفِ عنا: هو أن كل مكروهِ عادَ إلى غايةٍ محبوبةِ، حسُنَ أن يُسمى المريدُ لذلكَ المكروهِ مريداَ للمحبوبِ، ولهذا يَحسُنُ أن يقولَ الأبُ الحَدِبُ (٣) والطبيبُ الناصحُ، وقد جعلَ إيلامَ الولدِ بالأدبِ، والمنعِ من كلِّ شهوةٍ تُفضي إلى مضرةٍ، وعجَّلَ العلاجَ بالأدويةِ المُرَّةِ، وقيح العروقِ بالحديدِ، وإراقة الدماء، والمنع من الشهواتِ من الأشربةِ والأغذيةِ: إنما أريدُ، أو أَرَدْتُ بكَ التخفيفَ عنكَ والنفعَ لكَ، وتكميلَ اللذةِ، ويُشِيرُ بذلك القول: إلى صلاحِ العاقبةِ، مع كونِه مريداً لعاجلِ المضرة والبغضةِ والألم، فبانَ أنَّه


(١) صدر بيت من الشعر، وعجزه "فكلُّكم يصير إلى تَبابِ" وفي رواية: "إلى ذهاب". وهو منسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. "همع الهوامع" ٢/ ٣٢، "أوضح المسالك": ٣٥٦.
(٢) في الأصل: "فسمى".
(٣) هو من قولهم: حَدِبَ فلانٌ على فلانِ، يَحْدَبُ حَدَباً، فهو حَدِثٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>