للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إذا اتصلَ بالمخصوص استحال الاستثناءُ، وخرج عن كونه تخصيصاً (١).

ومن الفرق بينهما: أنَّ النسخَ لا يكونُ أبداً إلا بخطابٍ وقولٍ من جهة الشارع، والتخصيص قد يكون بالخطابِ وبدلالة العقل.

ومن الفرقِ بينهما: أن التخصيصَ لا ينفي دلالةَ اللفظِ المخصوصِ على ما بقيَ تحته، إن كان حقيقةً أو مجازاً -على اختلافِ القائلين بالعمومِ في ذلك-، وأما النسخُ فإنه يبطلُ دلالةَ المنسوخِ، حتى لا يمكن مع ورودِ الناسخِ أن يكون دليلاً على ما يدلُّ عليه من ثبوتِ الحكمِ في تلكَ الأزمانِ المستقبَلةِ.

وهذا الفرق موجبٌ أنْ يكونَ الناسخُ رافعاً لما ثبتَ من حكمِ اللفظِ المتقدمِ، والتخصيصُ مبيِّنٌ أنّ الحكمَ ما ثبت في المخصوصِ.

ومما يفترقانِ أيضاً فيه: أنَّ تخصيص العامّ يكونُ بخبرِ الواحدِ والقياسِ، والاستدلالُ غيرُ القياس من طرقِ الاجتهادِ، وإن كانَ تخصيصاً لأصلٍ يوجبُ العلمَ ويقطعُ العُذرَ، والنسخُ لأصلٍ هذا سبيله، لا يكونُ بقياسٍ وخبرِ واحدٍ، بل لا يصحُّ إلا بنَصٍّ.


(١) أورد ابن عقيل هذه الشبهة، ولم يفندها، ويمكن أن يجاب عليها بالقول: إنَّ حقيقة التخصيص أنه قصر اللفظ على بعض مسمياته، وبيان أن بعض مدلول اللفظ العام غير مراد ولا مقصود بالحكم، ومثل هذا البيان الذي يعبر عنه الدليل المخصِّص يمكن أن يقوم به الدليلُ الخاصُّ المتصلُ والدليل الخاص المنفصل على حدٍّ سواء.
ذلك أن العبرة بإمكانية قيام الدليل بالبيان، وإظهاره حقيقة الأفراد الذين توجهت إرادة الشارع إلى تناولهم بالحكم العام، بقطع النظر عن كون الدليل خاصاً متصلاً باللفظ العام، أو خاصاً منفصلاً عن اللفظ العام.

<<  <  ج: ص:  >  >>