للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتمِ لذلكَ المخبَرِ به والطيِّ له، بعدَ الأمرِ بنشرِه، فإخبارُنا عن الأشياءِ بمثابةِ سائرِ أفعالِنا، والخبرُ من الله سبحانه يجبُ حصولُه ووجودُه، فلا يجوزُ رفعُه، لأنَّ خبرَه كلامُه، وكلامُهُ صفةٌ، فعلى هذا الأصلِ لا يجوزُ رفعُ ما أخبرَ به، وما عادَ إلينا بالنّطقِ بالخبرِ، يدخلُ عليه الأمرُ والنهيُ لأنّه فعلٌ لنا، ويحسُنُ تكليفُنا تارةً بأن يومِىءَ له، وتارةً بأن ينهى عنه.

وعندي: أنَّه يجوزُ أن يقعَ الخبرُ من اللهِ سبحانه مطلقاً، ويكشفُ بالبيانِ عن (١) أنَّهُ أرادَ به خبراً على صفةٍ وشرطٍ.

وعلى أصلِنا أنَّه في بابِ الوعيدِ يجوزُ عليه سبحانه العفوُ عمَّا توعَّد (٢) عليه، فهذا نوعٌ من الإخبارِ، يجوزُ أنْ يقعَ على ظاهرٍ ويكونُ مشروطاً، مثل قولِه تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)} [طه: ١١٨ - ١١٨] فلمَّا عريَ وبدت له سَوْأتُهُ، علمنا أنَّهُ أرادَ بقوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)} [طه: ١١٨ - ١١٨]، [أنه] مشروط بقوله: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: ٣٥] فلكَ ذلكَ معَ تركِ قُربانِها، ومثلُ قوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧]، ثم أُدميَ وجهُه من قِبلِ الناس، فتبيَّنّا (٣) أنه أرادَ بالعصمةِ: منعَ القتلِ أو الغلبةِ منهم الداحضةِ لماَ جئتَ به، القاطعةِ لما شَرعتَ فيه من التوحيد ودحضِ كلمةِ الشركِ، دونَ العصمةِ من الأذيَّهِ رأساً.


(١) في الأصل: "البيان غير".
(٢) في الأصل: "تواعد".
(٣) في الأصل: "تبينا".

<<  <  ج: ص:  >  >>