للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: إنَّ هذه الشبهة إنما دخلت على هذا الرجلِ من حيثُ ظنَّ أنَّ كل ما أُحيلَ به فعلُ المعصيةِ، ولم يمكن إيقاعها معه، هو تركٌ.

وليس الأمر على ما وقعَ له، وقد وقعَ ما يقاربُ هذا لمن قال: إنَّ الأمرَ بالشيءِ نهيٌ عن ضدهِ، ظناً منه أنَّهُ لم يمكن الفعلُ للشيءِ مع فعل ضدهِ، لأَنَّه (١) يكونُ تاركاً لضدهِ، وليسَ الأمرُ كذلك، بل استحالةُ اجتماع الضدينِ، أعني: عن دخولِ الضدِّ الذي إذا وقعَ، امتنعَ الفعلُ المَأمورُ به، أعني: عن أن يصفه بالنهي، بل صار القعودُ عند الأمرِ بالقيامِ ممتنعَ الحصولِ، فلا يحتاجُ أن يكون منهياً، ولا داخلاً تحتَ الخطاب، كذلك ها هنا إذا قال الله سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢] وَجَبَ تَجنُّبُ الزنى، فإذا دخلَ في عملٍ من الأعمالِ، استحال وقوعُ الزنى حالَ عملِهِ الذي لا يُتصوَّرُ معه حصولُ الزنى، فلم يكُ تاركاً في تلكَ الحالِ، وما هو إلا بمثابةِ شغلِه بالفعلِ المحظورِ، كالقتلِ ظلماً يمتنعُ بذلك وقوعُ الزنى، ولم يُجعل القتلُ الظُّلْمُ واجباً، من حيثُ كان به للزنى تاركاً، وفي هذا تمحيقٌ للأحكام، لأنَّهُ يفضي إلى أنْ لا يكونَ لنا معصيةٌ محضةٌ؛ حيث كان يفعل كُلَّ واحدةٍ من المعاصي تاركاً للأخرى وتركُها (٢) واجبٌ، فكلُّ فعلِ معصيةٍ ممزوجٌ بين واجبِ -وهو تركُ الأخرى-، ومعصيةٍ -وهو فعلُها-، وذلك لاندراجِ التركِ لمعصيةٍ في فعلِ معصيةٍ أخرى.

ويكون أيضاً بهذا المذهبِ لا نوافلَ لنا؛ لأنَّ النوافلَ مشغلةٌ عن


(١) في الأصل: "أنَّه".
(٢) في الأصل "وترك".

<<  <  ج: ص:  >  >>