للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّبا، واللواطِ، والزنى، والقتلِ، وهو حال اشتغاله (١) بها تاركٌ لتلكَ المعاصي، وتلك المعاصي تركُها واجبٌ، فلا نافلةَ لنا إذاً، حيث كان فعلُها تركاً للواجب (٢) تركُهُ، وفي هذا تعطيلٌ للأحكامِ بعضِها ببعضٍ، وخرقٌ للإجماعِ.

ولأنَّ في الأعمال ما يقعُ معيقاً (٣) ومانعاً من المحظوراتِ بصورتِهِ؛ بذهول (٤) فاعلِهِ عن قصدٍ ونيةٍ، فلا يكون تاركاً تركاً يكونُ بهِ ممتثلاً، فضلاً [عن] أن يكونَ واجباً، فبطلَ قولُكم: إنه لا فعلَ إلا واجبٌ؛ لكونه لا يتم تركُ المحظورِ إلا به، ومع الذهول وعدمِ القصدِ لا يكونُ طاعةً، فضلاً [عن] أن يكونَ واجباً.

وجوابٌ آخر: أنَّ الأعمال الشاغلةَ لأدواتِ المكلفِ وأبعاضِه، يتعطلُ معها فعلٌ آخرُ من عصيانٍ أو طاعةٍ من طريقِ المنافاةِ، وما تعذَّرَ حصولُه بوجودِ منافيهِ لا يُسمى متروكاً، ولا يتحققُ لفاعلِه التركُ، ومن ها هنا ظنَّ قومٌ: أنَّ الأمرَ بالشيءِ نهيٌ (٥) عن ضدِّه، وليس كما ظنوا؛ فإنَّ الإنسانَ إذا قال لعبده: اخْرُجْ من الدارِ، لا يَحسُنُ أنْ يقول له بعدَ هذا: ولا تكنْ فيها إذا خَرَجْتَ، ولا يحسُتُ أنْ يقول له: اجْلِسْ، ولا تكن قائماً إذا جلستَ، وما لم يَحسنِ التصريح به، بل يقبحُ، يُعلمُ به بطلانُ المدعى لكونه [ثابتاً] ضمناً، وإنما قَبُحَ ذلك، لأنَّ الأمرَ بالخروجِ أمرٌ صحيحٌ داخلٌ تحت قدرِ


(١) في الأصل: "اشتغالها".
(٢) في الأصل: "ترك الواجب".
(٣) في الأصل: "مغنياً".
(٤) في الأصل: "ذهول".
(٥) في الأصل: "نهياً".

<<  <  ج: ص:  >  >>