للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكافرين كان مُجْزِئاً، والجلدُ المجردُ كان حدّاً مستقلاًّ، فصار بعد الزيادة غير مجزىءٍ ولا كافٍ ولا مستقلٍّ، وكان الأول كلاًّ فصار بعد الزيادة بعضاً، فقد ارتفع الحكمُ الأولُ.

فيقال: إنا لا نُسَلِّمُ أن هذا الذي ادعيتموه هو النسخُ، بل حقيقةُ النسخِ [إزالة حُكمِ المشروع] أولاً وهو الرقبةُ، وتطهيرُ الأعضاءِ الأربعة، والجلدُ المقدَّرُ، وذاك جميعُهُ ثابتٌ بحاله لم يَزُلْ ولا شيءٌ منه، فأمَّا الضمُّ إليه والزيادةُ عليه فلا يكون رفعاً ولا إزالةً، وأما كونه بعضاً بعد أن كان كُلاًّ، فهذا لا يوجبُ كونَهُ نسخاً، فإنَّ كلَّ موضوعٍ كذلك، فلو أنَّ واضعاً وضع زيادةً على ما فيه من أيِّ نوعٍ كانَ، صارَ ما كان فيه كلاًّ بعضاً بالإضافة إلى الزيادة، وما علمنا من لغة العرب تسمية ذلك نسخاً، فإنَّها لما قالتْ: نسخت الريحُ الرمل، لم تضعْ ذلك لحملها رملاً على رمل، ولا نسختِ الشمس الظلَّ لزيادةِ الظل على الظل، وإن كنَّا نعلم أنها قد لحظت أن الأول من الرمل المزيد عليه، صار بعضاً للرمل الذي زادته الريح، وكذلك الظل.

على أن هذا باطلٌ بزيادةِ العبادةِ على ما قبلها من العبادات كصوم بعد صلاةٍ، وزكاة بعد صوم، فإنه قد كانت واجباتُ الإسلام وفروعه تستقلُّ بما كانَ قبلَ الزيادةِ، وصارَ غيرَ مستقل ولا كاف إلا بالزيادةِ والمزيدِ عليه، حتى إنَّه كان يقبل الشهادتين فقط، وصار لا يقبلها حتى ينضمَّ إليها غيرُها، كما قال أبو بكر الصديق لمانعي الزكاة: لا أُفرِّقُ بين ما جمع الله (١)، والله يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.


(١) وذلك في حديث قتالِ أبي بكر، رضي الله عنه، لأهل الردة، أخرجه أحمد ١/ ١١، والبخاري (٦٩٢٤)، (٦٩٢٥) و (٧٢٨٤) و (٧٢٨٥)، ومسلم (٢٠)، وأبو داود (١٥٥٦)، والترمذي (٢٦٠٧)، النسائي ٥/ ١٤، والبيهقي ٤/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>