للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّ المأمورَ بهِ حقيقةُ الذبح لا مقدماتُهُ، وتأكُّدُه بقولِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} لا يكونُ إلاَّ في الحَقيقةِ؛ لأنَّ المجازَ لا يُؤَكَّدُ؛ لأنَّ الأمرَ بالمقَدمات بلاءٌ مُوهَم ومُخيَّلٌ فأَمَّا مبين، فلا يكونُ إلا قدْ أُمِرَ بحقيقةِ الذبحِ.

وأمَّا قولُهم: إنَهُ ذبحَ والتحم، فهذا لو كانَ، لما أغفلَ البارىء ذكرَهُ وقد (١) ذكرَ المقدماتِ، وهذا من أعظمِ الآياتِ، وأبهرِ الإعجازِ، فكيفَ يتركُ ذكرهُ، ويذكر تلَّهُ للجبينِ؟ ثمَّ إِنَّهُ مع كونه من أبهرِ الآياتِ في فعلِ الله، فهو من أعظم البلاوي، وأبلغِ الطاعاتِ؛ حيثُ قطعَ أوْدَاجَ ولدِهِ وواحِدِهِ، ألا تَرَى أنًّ في إلقائه في النارِ، ذكرَ سبحانه أقصى ما فَعَلَهُ، فقالَ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩]، وذكر في قصة يوسف ما نالَهُ من إخوتِهِ؛ (٢ من إلقاءٍ له في الجُبِّ ٢)، والبيع له بالبخسِ، ومجيءٍ [على] قميصِهِ بالدمِ، وما لحقَهُ من انهمام امرأة العزيز (٢ به، ومراودته عن نفسه، فذكر أن صبره على ذلك من ٢) فضائل الصابرينَ من الأنبياء (٢ فكيف يذكر ابتلاءَهُ بأشد ٢) محنةٍ؛ لأنَّهُ لا تكليفَ أشقُّ ولا أوجعُ من أمرِ أبٍ بذبح ولدهِ وواحدة، ثُمَّ إِنه يقعُ منه ذلكَ طاعةً لله، وتسليماً لأمرِهِ، وصبراً عَلى بلائِهِ، ويتفقُ في ذلكَ الذابحُ والمذبوحُ، ثُمَّ يذكرُ مقدماتِ البلاءِ، ويسكتُ عن حقيقةِ البلاءِ، وفيهِ غايةُ التبجيلِ للمُبْتلَى، وإغلاق العروقِ وهي غايةُ الإعجازِ، وبيانِ القدرةِ في حقِّ المُبْتلِي (٣) جَلَّتْ عظمتُهُ، هذا بعيدٌ جداً.

ثُمَّ إنَّ الذي يبطل هذه الدعوى، قولُه تعالى: {وفدَيْناهُ بذِبْح}


(١) في الأصل: "و".
(٢ - ٢) طمس في الأصل.
(٣) في الأصل: "المبلي".

<<  <  ج: ص:  >  >>