للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخبارِ عن البلاد النائيةِ، والقرونِ الخاليةِ، والأممِ السالفةِ، كسكونها إلى العلمِ بما تدركُه بالحواسِّ من المحسوساتِ، ومن أنكرَ ذلك، سلكنا معه ما سلكناه مع أصحاب سوفسطا (١)؛ حيث أنكروا حقائق الأشياء، ودركَ الحواسِّ، وليسَ يسلكُ مع أولئك طريقُ المناظرة، لكن يسلكُ معهم مسلك العلاجِ والمداواةِ، وإنَّما تنقطعُ المناظرةُ معهم؛ لأنَّ غايةَ أدواتِ النظرِ: القولُ المفضي إلى جعلِ الغائبِ كالشاهدِ، وحملِ المعلومِ على المحسوس، وسياقةِ الأمرِ إلى أن تحصلَ الثقةُ بالإثباتِ أو النفي بدلالةِ العقلِ؛ بطريقِ النظرِ والتأملِ والاستدلالِ، فإذا كانوا للطرقِ منكرين، تعذَّرَ الوصولُ إلى الغايةِ المطلوبةِ، فليس إلا إخراجهم إلى الإثباتِ لما أنكروه، من تسليطِ المؤلمات عليهم، فإذا أذعنوا بدركِ الآلامِ، افتضحوا في جحدهم، وبان إهمالُهم وتجنِّيهم؛ إذ لو كانَ المحسوسُ باطلاً، والحسُّ منعدماً، لماظهرَ منهم ما يظهرُ منّا، فإذا فعلَ بمحضرٍ منهم ما يُضحكُ فضحكوا (٢) بتحركِ عضلِهم، وما يُحزنُ، فبكوا، وما يُطربُ، فتحركوا، وما يغضبُ من القولِ، فغضبوا، وما يُدهشُ مِن الأخبارِ، فدهشوا، وما يسرُّ مِن الإحسانِ، فاستبشروا، كذبَتْ أقوالَهم بالجَحْدِ أحوالُهم؛ بقَبُولِ (٣) كلِّ مُدرَكٍ محسوسٍ، وظهورِ الحال التي تقتضيه.

وقد تحيَّل الفقهاء بمثل (٤) ذلك في باب مَن جُنيَ عليه بلطمةٍ أو ضربةٍ، فادَّعى أنَّه ذهبَ بصرُه أو سمعُه أو عقلُه، بأن أظهرَ العمى


(١) يعني: السوفسطائية، انظر ما تقدم في ١/ ٢٠٢.
(٢) في الأصلَ: "لضحكوا".
(٣) في الأصل: "بقول".
(٤) في الأصل: "لمثل".

<<  <  ج: ص:  >  >>