للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ

في شُبَهِهِم

فمنها: أن قالوا: كلُّ جملةٍ إنما هي مجموعُ آحادِها، وليسَ جملةُ العددِ الدين نقلوا الخبرَ المتواترَ إلا مجموعَ آحاد نقلوا الخبرَ، وقد ثبتَ أن كلَّ واحدٍ من الجماعةِ يجوزُ على خبرِه الكذبُ، كما يجوزُ عليه الصدقُ، فلا وجهَ لتغيُّرِ حالِهم باجتماعِهم، لأنَّ جملَتهم ليس بأكثرَ من آحادِهم، فتجويزُ الكذبِ على الجماعةِ على ما كانَ، إلى أن تقومَ دلالة تعطينا خروجَ الجملةِ إلى القطع بقولهم وصدقِهم، بعدما كانَ خبرُ كلِّ واحد منهم متردداً بين الصِّدقِ والكذب، وهذا دليلٌ قد رضيه المتكلمونَ لإثباتِ حدث العالم، وقالوا: كلُّ حركةٍ من حركاتِ الفلكِ محدثة متجدِّدة، بعد أن لم تكن، فإذا ثبتَ لكلِّ أجزائه الحدوثُ، فليس جملتُه بأكثرَ من آحادِه، فوجبَ أن تكون جملتُه محدثةً بعد أن لم تكن، فثبتَ بهذِه الجملةِ انتفاءُ العلمِ عن خبرِ التواترِ؛ بانتفاءِ العلمِ عن كلِّ واحدٍ من المخبرين.

فيقال: إن هذه قضية كاذبةٌ، ولسنا نرضاها في هذه المسألةِ، ولا في دلالة الحدث، وإنَّما المعوَّلُ على غيرِها هناك، ووجهُ فسادِها، ونفيُ الرضا بها: أنَّ الجملَ أبداً في المحسوسات والمعلوماتِ لها من الحكم ما ليس لآحادها، ويَتَجدَّدُ للاجتماعِ ما ليس للانفرادِ، بدليلِ نعيمِ أهلِ الجنَّة؛ فإنَّ كلَّ حالةٍ من أحوالِهم ذو أولٍ وآخرٍ ونهاية، والنعيمُ لا غايةَ له ولا انقطاع، وكلُّ طابق من طوابيق الدارِ لا تملأ صحنها، وجملةُ الطوابيقِ تملأ صحنَها، والأشياءُ الثقيلة كالسَّاحَةِ والعِدْلِ الثقيلين، قد لا ينهض بهما الواحدُ والاثنانِ، فإذا تكاثرَ عليهما الرجالُ، ارتفعت من الأرضِ، وانتقلت من مكانٍ إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>