للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانٍ، وكذلكَ إذا أخبر الواحدُ حصلَ بعضُ الثقةِ إلى قولِه، وكلما تكاثرَ عددُ المخبرين، تزايدت حتى يحصلَ اليقينُ الذي لا يؤثَرُ فيه تشكيكُ مُشكِّكٍ، وهذا نجده من نفوسِنا، في أنَّ لنا بلداً يعرفُ بمكة، وأنَّ فيه بيتاً يعرف بالكعبة، حتى إنَّ المؤمنَ بأخبار الله والكافر متساويان (١) في العلم بذلكَ، لأجلِ تواترِ الأخبارِ بالعلم (٢) الذي لا يدخلُ عليه ارتياب.

على أنَّ الواحدَ من الجماعةِ قد يكونُ له داعٍ يدعوه إلىِ الكذبِ في خبرهِ، ولكن لا تتفق دواعي العددِ الكثيرِ والجَمِّ العْفيرِ على حصول الداعي إلى الكذبِ، بل يستحيلُ ذلكَ على الأمَّة الكثيرة، فقد بانَ مفارقة (٣) الآحادِ للجماعةِ من هذه الوجوه كلها.

ومنها أن قالوا: القولُ بالعلمِ بأخبارِ التواترِ يفضي إلى محالٍ، وما أفضى إلى محالٍ محالٌ، وذلكَ أنَّ العددَ الذي يحصلُ بخبرِهم العلمُ الضروريُّ عندكم، إذا أخبرَ عددٌ مثلُهم بما يضادُّ خبرَهم، مثل أنْ يخبرَ هؤلاء بموتِ زيدٍ أمس، ويخبرُ الآخرون بحياتِه في الوقتِ الذي أخبرَ أولئك بموته، فيفَضي ذلك إلى أنَّ يَجْتمعَ (٤) لنا العلمانِ بالضدينِ جميعاً: موت زيدٍ، وحياته، وذلكَ محالٌ، فالمذهبُ المؤدِّي إليهِ باطلٌ.

فيقالُ: هذا الفرضُ محالٌ، لا يجوزُ أن تُخبِرَ جماعةٌ لا يجوزُ


(١) في الأصل: "متساويين".
(٢) في الأصل: "العلم".
(٣) في الأصل: "مفارق".
(٤) في الأصل: "يجمع".

<<  <  ج: ص:  >  >>