للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجعوا عنه، ولو رجعوا إلى نبينا غير مذعنين بل منافقين، لما حصلت الثقةُ بقولِهم الأول، كما لم تحصل الثقة بقولهم في الثاني.

ومنها: أنَّه قد جازَ اجتماعُ الجماعةِ الكثيرةِ على الخطأ من طريقِ الاجتهاد والرأي، كالفلاسفة و [أهل] الطب، فهلا جوزتم اجتماع جماعةٍ على الكذبِ في النقلِ، وما الفرقُ بين الاجتهادِ والنقل (١)؟! ولهذا جعلتم الإجماعَ حجةً مقطوعاً بها في الرأي، كما جعلتم التواترَ حجة مقطوعاً بها في الخبرِ.

فيقال: أمَّا الاجتهادُ، فأدلته خَفِيّهٌ، فالاجتهاد في الحقائقِ بالاستدلال العقلي، ففي أدلته غموضٌ، ولهذا تعترضه الشكوكُ، وكم شاكٍّ وواقف في ذلك، وكم راجع عن رأيه ومذهبِه بعد أن حَقَّقَ القولَ فيه.

وأمَّا ما طريقُه الخبرُ عن المُشاهَدة ودركِ الحواسِّ، فلا شكَّ يعتري، ولا شبهة تعرض، فإذا اتفقت الجماعةُ المأمونُ عليهم الاتفافَ على الكذبِ والاختلاقِ، فلا شكَّ عند السامعِ فيما أَخْبَرُوا بِه، كما لا يتطرقُ الشك عليهم فيما رأوه.

ومنها: أنْ قالوا: لو كانَ خبرُ التواتر يحصلُ به العلمُ، لما اختلفَ اثنان في نبوةِ نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، لأنَّ نقلَ ذلك بأخبارٍ متواترة، فلما وقعَ الخلافُ، فجحدَ أهلُ الأدياد نُبؤَتَه، وجحدتها الفلاسفة و [أهل] الطب وأهلُ الطبعِ، عُلِمَ أنَّه ليس بطريقٍ للعلمِ، ألا ترى أنَّ ما أُدرِكَ ببَدائِه العقولِ وأدلَّتِها (٢)، لم يختلف النَاسُ فيه لَمَّا كان علماً ضرورياً.

فيقال: إنَّ النبوةَ حكمٌ، وليست معنىً يشاهَدُ، لأنَّها رتبةٌ دينيةٌ،


(١) في الأصل: "القول".
(٢) في الأصل: "أولها".

<<  <  ج: ص:  >  >>