للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقلاءُ فيه، ألا ترى أنَّ الواقعَ من العلمِ بدركِ الحواسِّ، لَما كان ضرورياً، لم يختلف فيه أهلُ المذاهبِ، وكذلك المعلومُ بأوائل العقولِ، مثل العلمِ بأنَّ الواحدَ أقلُّ من الاثنين، وأنَّ الجسمَ لا يكون في حالةٍ في مكانين، وأنَّ الجَمَلَ لا يَلجُ في سَمِّ الخِياطِ، فلما وقعَ الخلافُ في هذا العلم بينَ العقلاءِ، عُلِم أنَّه ليس من العلومِ الضرورية التي لا تحتمل الخلاف.

فيقالُ: إنَّ حصولَ الخلافِ لا يجعلُه [غير] حجةٍ، انَّما الحجةُ الأدلةُ، فإنَّ الخلافَ قد يقع عناداً وعصبيةً وتقليداً، ولهذا دخلَ الخلافُ في دركِ الحواسِّ؛ بحدوثِ شكوكِ سوفسطا أو تشكيكهِ، فخَيَّلَ عقول جماعة، وكثر أتباعُه في مقالته، وكم من خيالٍ أحدثه أهلُ الأهواءِ والبدعِ، ونوظروا، فصارَ في المسائل غيرِ المحتملةِ للخلافِ خلافاً.

ومنها: أن قالوا: وجدنا الإنسانَ يسمعُ الخبرَ من الواحدِ والاثنين، فلا يحصلُ له العلمُ إلى أن يتكاثرَ عددُ المخبرين، فيعلمُ حينئذٍ بتناصر أقوالهِم صحةَ خبرِهم، وصدقَ أقوالهم، وهذا عينُ الاستدلالِ، كاستدلال المستدل على القبلةِ بأمارتين فثلاثٍ.

فيقال: ليس سياقةُ الدلالة إلى أن يحصلَ العلمُ، يخرجهُ عن كونه ضرورياً، كالمقدماتِ التي تكونُ سابقةً للعلمِ في العلومِ الهندسيةِ في إِقليدس (١)، وإخراجها بالأشكال عن الأشكال، مثل قولنِا: إنَّ الخطوط الخارجةَ عن مركزِ الدائرةِ على استقامةٍ إلى الدائرةِ متساويةٌ، فإنَّ العلمَ بذلكَ ضروريٌّ وإن كان بسياقةٍ.


(١) هو رياضي يوناني مشهور بالهندسة، كان قبل الميلاد بثلاث مئة عام، صنف في الهندسة كتابه المشهور المعروف "بأصول إقليدس" أو "كتاب إقليدس". "دائرة معارف البستاني" ٤/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>