للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وردُّهم لا يدلُّ على عدم العملِ بها (١)، بل يجوزُ أن يكونَ لشبهةٍ تعرضُ في خبرِ الواحد، أَو معنىً وعِلَّةٍ ظهرت، فأوجبت الردَّ لذلك الخبرِ، ألا ترى أنَّ خبرَ التواترِ قد أجمعنا على العملِ به، وإن كنا نردُّ التواترَ لِعلَّةٍ؛ مثلِ تواترِ خبرِ النصارى أنَّ المسيحَ صُلِبَ.

والذي يوضِّحُ أنَّ الردَّ إنما حصلَ لعِلَّةٍ: هو قولُ عمرَ في خبرِ الاستئذانِ لأبي موسى: فقلتُ ذلكَ لكي لا تجترىءَ على رسول الله.

وقالَ علي في حديثِ ابن سنان (٢): أعرابيٌّ بوَّال على قدميه. أي: لا يعرف الأحكام.

وأيضاً من طريق الاستدلالِ بالاستنباط: أنَّ العقل يوجبُ الاحتياطَ من المضار، وخبرُ الواحدِ العدلِ الثقةِ الذي لم يُجرَّب (٣) عليه الكذبُ، يترجحُ صدقُه على كذبه، وإن كان الكذبُ جائزاً عليه، وإذا تَرجحَ صدقُه فيما يخبرُ به عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، غلَبَ على الظنِّ اقتحامُ الإثمِ وحصولُ الضررِ بمخالفتِه، وهذا أمر يقتضيه العقلُ، وقد عضدَ ذلكَ ما اتفق العقلاءُ عليه من المتدينين وغيرِهم، أنَّ الرجوعَ إلى قولِ الواحدِ في التَّحَرُّزِ من المَضارِّ من عزائمِ العقلاءِ ومقتضى رأيهم، كإخبار الثقةِ بسَبُعٍ في طريقٍ يريدُ سلوكَه، أو الإخبارِ عن رياحٍ مهلكةٍ في بحرٍ يريدُ ركوبَه، كلُّ ذلكَ يوجبُ العقلُ التحرزَ منه عملاً بخبرِ الواحدِ.

ومن ذلك: أنَّه إخبار عن حكمٍ شرعي، فجازَ قبولُ خبرِ الواحدِ فيه؛ كالاستفتاءِ في الحوادثِ لآحاد المجتهدين.


(١) في الأصل: "به".
(٢) في الأصل: "أبي يسار".
(٣) في الأصل: "بحرف"

<<  <  ج: ص:  >  >>