للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيانُه: أنا إذا رأينا مقتولاً في سِكَّةٍ من السكك، ورأينا رجلاً بيده سكينٌ عليها أثرُ الدم، والرجلُ هاربٌ من السِّكة، فإنَّ ذلكَ يؤثِّر عندنا، وفي نفوسِنا أَنَّ العاديَ الهاربَ على ذلكَ الوجهِ هو القاتلُ لهذا، ثمَّ إذا انبنى عليه قولٌ، صارَ القولُ مع ذلك اللَّوْثِ مُحقِّقاً في نفوسنا أنَّه القاتل، حتى إن الشريعة [جعلت] للأولياء أن يقسِمُوا على القتلِ، وأنَّ هذا قاتلُهُ، وأنهم لا يعلمون له قاتلاً غيره (١)، وقومٌ جعلوا عداوةَ من ظهرت عداوتُه له كالأثر عند من رأى اللَّوثَ أثراً، وقد أشار الله تعالى إلى ذلكَ؛ حيث قال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: ٢٦]؛ لأَنه أمار على أنَّه كان مقبلاً على المراودةِ، {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} [يوسف: ٢٧] ولأنَّا لا نشكُّ في خبرِ من أخبرنا بموتِ رجلٍ قد كُنَّا عَرَفْنا مرضَه، وقد خرجَ أهلُه مخرقي الثياب، وقد جيءَ بجنازةٍ وُضِعَت على بابهِ، بعد أن سمعنا الصراخَ من دارِه، لا سيَّما إذا كانَ المخبر أباه، أو ابنَه، ومَن لا يُتَّهَمُ بالإرجاف عليه بالموتِ، حتى إنَّا لا نجدُ في أنفسِنا تردُّداً بعد هذا، وإذا كانَ كذلك، عُلِمَ بأنَّ الخبرَ على هذه الصفةِ يوجبُ العلمَ، ومن جحدَ ذلك، كابرَ أو سفسط.

وكذلكَ إذا كانَ في جوارِ الإنسان امرأةٌ حامل، فسمعَ الطلقَ من وراءِ جدارهِ، وضَجَّةَ النساءِ حولَ تلك الحامل، ثمَّ سمعَ صراخَ الطفل واستهلالَه، وخرجَ نسوةٌ يقُلْنَ: ولدت فلانة ابناً، أو أخبرت القابلةُ


(١) وهو المعروفُ بالقسامةِ، وصورتُها: أن يحلفَ أولياء القتيل خمسين يميناً؛ أنَّ قتيلهم ماتَ من ضربِ المتهم المدعى عليه، وقد ثبتت مشروعيتها فى السنة. انظر البخاري (٦٨١٨)، ومسلم (١٦٦٩)، وأبا داود (٤٥٢٠)، والترمذي (١٤٢٢)، والنسائي ٨/ ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>