للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا ذمُّه العاملينَ بالظنونِ، فإنَّه عادَ إلى مَن عَوَّلوا على الظنون فيما طريقُه العلومُ والقطعُ، وهو إثباتُ الأصولِ، والآيةُ تشهدُ بذلك، لأنها وردت في معتقداتِ القومِ، من دون أعمالِهم.

وأمَّا قولُ علي رضي الله عنه في استحلافِه مع الخبر، وتصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فذاك من (١) الأحكامِ الفروعية، وليسَ يعتبرُ فيها القطعُ، بل الظنّ، وجعلَ رتبة أبي بكر مع خبره موازية لحلفِ غيرِه مع خبرِه، فأغناه ذلك عن تقويةِ ما في نفسِه بحلفِه، وقويَ مجردُ قولِه عنده وعندنا؛ لأن الغالبَ صدقُه على الظن، فحسنَ أن يقالَ: إنَه مصدَّق في خبره، وليس كل مصدَّقٍ في خبرِه مقطوعاً على صدقِه.

وأمَّا مبالغة أصحابِ الحديثِ، فلا تعطي القطعَ بأخبارِ من روَوا عنه، وتحرزوا في الروايةِ عنه، بدليلِ أنَّا نرجِّحُ بكثرةِ الرواةِ، وروايةُ صاحبِ القصةِ كحَمَل بن مالك في قصةِ الجنين، رجحناه على روايةِ غيره؛ لأنَّ القصةَ كانت متعلقة به، ونُرجِّحُ في أسرارِ أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحوالِه [غير] البَيِّنةِ حديثَ عائشةَ وأمثالِها من أَزواجه، على روايةِ أنسٍ وابن عمرَ وابنِ عباس.

على أَنَّ رواياتهم نقطعُ بأن فيها صدقاً (٢)، ولا نعلمُ عينَهُ، ولا يجوزُ أن يكونَ كل ما رووه وأخبروا (٣) فيه كذباً، وقطعنا على أنَّ في أخبارِهم صدقاً لا يعطي العلمَ بأعيانِ الأخبارِ، هذا كما نقطعُ في بابِ الفتوى من جهة المفتين المجتهدينَ المختلفينَ في الأحكامِ، أنَّ


(١) في الأصل:"بان".
(٢) في الأصل: "صدق".
(٣) فى الأصل:" وتحبروا".

<<  <  ج: ص:  >  >>