للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَمَّا تعلّقُهم بأَنه خَالَفَ أهلَ الصِّناعةِ، فلأ يجوز أَنْ يُطلَقَ على الحفظ والرِّوايةِ بأنَّها صناعةٌ يُقَدَّمُ الحاذقُ فيها (١) على غيرِهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ المستَهدِف لحفظِ الأحاديث ونقلِها لا يُقدَّمُ إمساكه وعدم علمِهِ بحديثٍ رواه واحدٌ ليسَ من أهلِ الصناعةِ، بلْ يجبُ على الحافظِ المستهدِفِ لهذا العلمِ أنْ يعملَ بروايةِ الثِّقةِ فيما يرويهِ لَهُ، وإنْ لمْ يكنْ حافظاً للحديثِ، ولا مكثراً لرواييهِ، وفارقَ التقويمَ، فإنَّهُ نوعُ موازنةٍ، وإذا اتفقَ المقوِّمونَ في رؤيةِ العينِ المقوَّمةِ، وإدراكِها بصفاتِها، والإحاطةِ. بمعانِيْها الخاصَّةِ التي توازيها الأَثمانُ، غَلَبَ على الظَّنِّ أَنَّ العددَ الأكثرَ هم المصيبونَ في القيمةِ، وأنَّ المكثرَ للقيمةِ تخيَّل زيادةَ قيمةٍ لِمَا خُيِّلَ إِليهِ منْ جَودةٍ أو صفةٍ أَعطاها ظنُّهُ من التقويمِ ما لا تُساوي.

فأَمَّا الزيادةُ في مسألتِنا، فإنَّها لفظٌ مسموعٌ وقولٌ مدرَكٌ، فلا يدخلُ التخيُّلُ والاشتباهُ في الإِثباتِ، فأمَّا الذُّهولُ عنْ أصلِ الحفظِ، والنسيانُ بعدَ الحفظِ، فمجوَّزٌ على الجماعةِ.

وأما قولهم: إنَّ الراويَ قد يفسِّر تفسيراً يزيد به في لفظ الخبر، فيظنُّ السَّامع أنَّها من جملةِ الخبرِ، فليس بكلامٍ لازمٍ؛ لأنَّه وإنْ جاز ذلكَ، إلاَّ أنَّ الظَّاهرَ أنَّه لا يُدرِجُ في كلامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما ليس منه، ولو عَوَّلْنا على مثلِ هذا، لكان الشَّكُّ واقعاً في جميع الأَخبارِ، فالذي أَجْمعوا عليه يكون زيادات فسَّرها روأتُها، فظنَّ السَّامعونَ لها أَنها منْ أَصْلِ الحديثِ، وليست كذلك.


(١) في الأصل: "منها".

<<  <  ج: ص:  >  >>