للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما لم تترجَّحِ الشَّهادةُ بكثرةِ العددِ، فقدْ كملَ فيما كثرةُ العددِ بقبولِ الأربع في حدِّ الزِّنى ورد ما دونهم، وما ذلكَ إلا إعطاءٌ للعددِ منزلةً (١) ورتبة لم يعطَها ما دونَه، على أَنَّ الشَّهادةَ تخالفُ الأخبارَ، ولهذا لا يُقدَّمُ فيها الأعلمُ، ولا الملابسُ للقصَّةِ، ولا الأقربُ إلى المشهود بِهِ من الحالِ. والخبر يُقدَّم [فيه] رواية الأعلمِ والأقربِ، كروايةِ عائشةَ في أحوالِ رسولِ اللهِ في بيتِهِ، وروايةِ حَمَلِ بنِ مالكٍ في أمر عمودِ الفُسطاط لما كانَ بالقصةِ خبيراً (٢)، وإلى ما شاكلَ ذلكَ من الحفظِ والضَّبطِ والفقهِ، فجازَ أنْ يرجّحَ بالعددِ؛ لأَنه أقربُ إلى الضَّبطِ، وأبعدُ من الغلطِ والسَّهوِ.

وأمَّا إسقاطُ التَّرجّحَ بالعددِ في بابِ الفتيا والاجتهادِ، فإنَّ قَبولَ المقلِّدينَ قولَ المجتهدينَ ليسَ بمعلومٍ، ولا هُوَ إلاّ محضُ التقليدِ، والمخبرُ يُؤَثرُ خبرُه ظناً لمنْ أخبَرَهُ، وكلما كَثُرَ عددُ المخبِرِينَ قَوِيَ الأثرُ في النَّفس، وبعد عن التُّهمةِ والشَّكِّ، وإنَّما يتحدّدُ العلمُ بالعددِ الذينَ يحصلُ بهم التواتُرُ، [و] قَدْ مضى التَّرجيحُ بالعددِ.

فصلٌ

في الترجيح بكونِ أحدِ الراويينِ أتقنَ؛ مثل أنْ يكونَ أحدُ الراويين


(١) في الأصل: "ممنزلة".
(٢) لمانه كان زوج المرأتين، حيث قال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فقتلتها وجَنينها، فقضى النبي فِى جنينها بِغُرة عبدٍ، وأن تُقتل.
أخرجه أحمد (٣٤٣٩)، وأبو داود (٤٥٧٢)، وابن ماجه (٢٦٤١)، وابن حبان (٦٠٢١) من حديث ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>