للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصولُ الإجماع (١)

وقَدْ قدَّمنا حدَّهُ ورَسْمَه في الحدودِ والعقودِ التي افتتَحْنا بها كتابنا هذا (٢).

فصلٌ

والإجماعُ حجةٌ ماقطوعٌ بها، فإذا اتفَقَ الفقهاءُ على حكمِ حادثةٍ، كانَتْ حجَّة معصومةً ودلالةً قطعيةً متبعةً، نصَّ عليه صاحبُنا أحمدُ بنُ حنبلٍ. ورويَ عنه ما يدلُّ على استبْعادهِ لِلإحماع فقالَ: مَنِ ادَّعى الإجماعَ فهوَ كذابٌ، لعلَّ النَّاس قَدِ اختلفُوا، هذِهِ دعوى بشْر المَريسِي والأصمِّ، ولكن يقولُ: لا نعلمُ النَاسَ اختلفُوا، أَو لم يبلغني أَنًّ الناسَ اختلفُوا.

وقَالَ أَيضاً: كيفَ يجوزُ للرَّجلِ أنْ يقولَ: أَجْمَعُوا؟ إذا سمعتَهم يقولونَ: أَجْمعوا، فانهَهُمْ، لو قالَ: إني لم أعلمْ مخالفاً جازَ.

وهذا منْهُ على طريقِ الورعَ، أو أنَّ الغالبَ أنَهُ لا يحيط علماً. بمقالةِ المُجْتهدينَ في الأَقطارِ معَ تباعُدِها وكثرةِ المجتهدينَ، وكيفية قولهم في الحادثةِ، وعدمُ الثقةِ ببقاءِ المفتي على فتواهُ، معَ تجويزِ أنْ يكونَ رجعَ فيما أفتى به أوَّلاً، فهذا وأمثاله أوجبَ استبعادَهُ لإطلاقِ الاجماع، وإنما تأوَّلنا هذه الرواية؛ لأَنَّه (٣) قد حُقِّقَ الإحماعُ في عدَّةِ مواضعَ، وبهذا قالَ أكثرُ


(١) انظر "العدة" ٤/ ١٠٥٧ وما بعدها.
(٢) انظر ما تقدم في ١/ ٤٢.
(٣) في الأصل: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>