للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتظَم لفظُ العمومِ أشخاصاً، شَمِلَهم حكمُ العمومِ ما لم تخرِجْ دلالةُ التخصيصِ أحد الأشخاصِ، وكذلكَ إذا انتظَمَ الأمرُ أفعالاً استدْعَاها الآمرُ وجَمَعَ بَينها في استدعائِهِ، كأنتْ على حكمِ الآمرِ إيجاباً أو نَدْباً، إلاّ أَنْ تقومَ دلالةُ تخصيصِ أحدِ المستدعَياتِ مِنَ الأفعالِ بإخراجِها عن مُقْتَضَى إطلاقِ الأمرِ، ولهذا لمَّا قالَ سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] كانَ الوعيدُ لاحقاً بالجميع وبكلِّ واحدٍ من ذلكَ على الانفرادِ.

وأمَّا قولُهم: يحتملُ أنْ يكونَ اتباع غيرِ سبيلِ المؤمنينَ الي مشاقَّةِ الرَّسولِ، فسبيلُ المؤمنينَ معَ النبيِّ الموافقةُ، وغيرُ سبيلِهم المشاقةُ لَهُ في تركِ اتِّباعِهِ، فليسَ بصحيح؛ لأَنَّ الظَّاهرَ أَنَّ الثانيَ غير الأوَّلِ، فحملُهُ على الأوَّلِ يُسقِطُ فائدةَ ذِكرِهِ للثاني؛ إذْ كان قولُكم: الكلُّ راجع إلى مشاقَّةِ الرَّسولِ، على أنَّ هذا تخصيصٌ بغيرِ دليل.

وأمَّا قولُهمْ إنَّه شَرَطَ في لحوقِ الوعيدِ أَنْ يكونَ منْ بعدِ ما تبيَّنَ لَهُ الهُدى، والهُدى لا يتبيَّنُ إلأ بدليل، وذلكَ حجةٌ كافيةٌ قبلَ الاجماع، وحاصلَةٌ مِنْ غيرِ إجماع، فغيرُ لازمٍ؛ لأَنَّ تبيُّنَ الهُدى بدليلٍ بعدَ الوعيدِ (١) [يرجع] إلى تركِ الحكمِ الثَّابتِ بذلكَ الدليلِ، فلا يكونُ لعَودِهِ إلى اتِّباع غيرِ سبيلِ المؤمنينَ وإلى تركِ سبيلِ المؤمنينَ معنى؛ لأنَّ مَنْ تَرَكَ حكمَ


(١) في الأصل: "الوعد".

<<  <  ج: ص:  >  >>