للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاصَّةً دونَ أنفسِهم، كما أنهمْ شهداءُ على النَّاسِ دونَ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - واعتبار عدالتهم يدل غلي ان شهادتهم على غيرهم، فأمَّا قولهم علي أنفسِهم، فلا (١) يشترطُ له العدالة كإقرارِهم.

وأمَّا قولُ علي رضي الله عنه، فإنَّ اعتراضَ عَبيدة عليهِ يعطي أنَّهُ كانَ رايهُ معَ الجماعةِ، وقدْ روِيَ: أجمع رأيي ورأيُ الجَماعةِ أَنً أمهاتِ الأولادِ لا يُبَعْنَ (٢)، فإذا كانَ قولُهُ: رآيكَ مَعَ الجماعة، عُلِمَ أنه كانَ إجماعاً، فلم يبقَ إلاَّ ذكرُ علي لعمرَ وحدَهُ، فكانَ ذلكَ لأنَّهُ الإمامُ، فاستغنى بذِكْرِهِ عن ذِكْر مَنْ تابَعَهُ؛ لأَنَّهُ الإمامُ المتَّبَعُ، ولو كان عمرُ وحدَهُ لم يكنْ لترجيحِهِ عليهِ معنىً؛ لأَنَّ قولَ عمرَ ليسَ بمقدَّمٍ على قولِ علي في الاجتهادَ ولا الرِّوايةِ، ولا نوع مِنَ الأَنواع، لا سيَّما بعدَ موتِ عمرَ وحياةِ علي وولايتهِ.

وأَمَّا اعتذارُهم عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بإنَّه يرجع إلى النَّسخ ويتوقَعُه مِنْ جهةِ اللهِ؛ فإنْ كانَ يتوقعُ النَّسخَ، فالمجتهدُ أيضاً تَعرِضُ لَهُ دَلالة شرعية بعدَ أَنْ كانَ على شبهةٍ، وليسَ بمعصوم في نفسِهِ ما دامَ حياً، فهوَ مِنْ أهلِ النَّظرِ يتلقّى ما يأتي مِن قِبَلِ الله تعالى، فإنهُ مِنْ وجوهِ الاستدلالِ، وما بينَهما فرقٌ أكثرُ من [أنَّ] الدلالةَ الناسخةَ قطعيةٌ، والدلالةَ العارضةَ للمجتهدِ ظنِّيَّةٌ، وحالتُهُ الثَّانيةُ إنْ لم تترجَّحْ على رأيِهِ الأوَّلِ بالبادرةِ،


(١) في الأصل: "لا".
(٢) تقدم في الصفحة ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>