للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمسكَ - صلى الله عليه وسلم -

وهذا عندِي على وجهٍ: وهو أَنْ يكونَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - له في نظيرِها حكم يَصِحُّ استخراجُه من معنى نُطقِه، فأمَّا إذا لم يكن في قوَّةِ ألفاظِ السُّننِ، ولا في كتابِ الله سبحانَه، فلا وجهَ لرجوعِنا إلى طلبِ الحكم مع إمساكِه عنه.

نعم، ولا وجهَ لإمساكِه عن الحكمِ في وقتِ الحاجةِ، لأننا أجمعنا على وجوب (١) البيانِ في وقتِ الحاجة، فمتى لم يكن لله حكم في نِظْرِ (٢) هذه الحادثةِ، استحالت المشقةُ.

فوجه قول أصحابنا: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد يمسكُ عن بعضِ الأحكامِ ويَكِلُها إلى اجتهادِنا مع إمكانِ التنصيصِ على الحكمِ، لكن يقصدُ بذلك ما قصدَه الله سبحانَه حيثُ لم ينصَّ على سائرِ الأحكامِ، بل تركَ لنا ما نُعمِلُ فيه أفكارَنا وبحوثَنا، ونجتهدُ ليحصلَ لنا ثوابُ الاجتهادِ، فكذلكَ إمساكُه عن حكمِ الحادثةِ.

يوضِّحُ هذا: أنَّهَ لايجوزُ أن تخلوَ حادثةٌ عن حكمِ الله سبحانَه، ولا يجوزُ أن يثبت الحكمُ إلا بدليل، فإذا عُدِمَ النصُّ لم يبقَ إلا الاجتهادُ.

وللمخالف أن يقولَ: إذا كان هذا دليلَكم، فقولوا بجوازِ اجتهادِكم


(١) تحرفت في الأصل إلى: "ركوب".
(٢) النِّظر: لغة فِى النظير، كالنِّد والنديدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>