للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (١ الخاصة متساوين في طريق الوصول إليها، وهو النظر، وإنما أوجبه الله تعالى على المكلف ليُثابَ عليه ١)، ولو كان المقصودُ المجرفةَ بغير طريقِ النّظرِ لخصَّ الله بها أنبياءَه- صلواتُ الله عليهم-الهاماً، لكنّه ينزِّهُهم عن تفويت مراتب النظرِ والاستدلالِ، وإعمال جواهرِهم في اعتقاداتهم، ألم تسمعْه يقولُ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: ٧٥ - ٧٦] فدرَّجَ الرسلَ في مقاماتِ النَّظرِ ليحصلَ ثوابُه بذلك، ولو كانَ بالإلهام لسقطَ ثوابُ النًظرِ والاجتهادِ في تحصيلِ الاعتقادِ، فبطل دعواه أن الغرضَ المعرفةُ فقط، بل الطرَّيقُ أكبرُ التعبدين، إذ هو رأسُ العملِ في تحصيلِ العلمِ.

قالوا: فقد بيَّنَ الله سبحانه أنه خص بعضَ أنبيائه بالاعتقادِ به من غيرِ نظرٍ ولا استدلالٍ، وما ذلكَ مسقطاً حكمَ اعتقادِه لإعدام طريقِ الاعتقادِ من الاجتهادِ، فقال في حقِّ عيسى: {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)} [مريم: ٣٠] وقال في حقِّ يحيى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)} [مريم: ١٢]، فبطلَ اعتبارُ النْظرِ واشتراطُه، وبانَ أنَّه بالالهامِ كافٍ، فكذلكَ سكونُ النفسِ إلى المعتَقدِ بطريقِ التقليد كافٍ.

فيقالُ: الجوابُ عنه من وجوهٍ:

أحدها: أنَّ ذلكَ مُنطَقٌ ومُجرىً على لسانِه الكلامُ، لا أنَّه صدرَ عن


(١ - ١) غير واضح في الأصل، وإنظر "قواطع الأدلة" للسمعاني ٥/ ١١٢ - ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>