للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهمٍ وقصدٍ، بل على طريقِ الإعجازِ أو الكرامةِ لأمِّهِ لتبرئتها مما رُمِيَت به من الزِّنى، كمن نطق من الأطفالِ المرويِّ نطقُهم في بني إسرائيل كجُرَيج لما اتُّهم بالزنى فنطقَ الحملُ بأنَّه ابنُ راعي غنم (١)، ولما اتهم موسى الكليم بالزِّنى (٢)، فنطق الحملُ. بما نطق، وإلى أمثال ذلك، على أنه .......

(٣ الثاني: أن قوله: {آتاني الكتاب} إخبارٌ عن مستقبل حاله، كقول القائل ليوسف عليه السلام: {إني أراني أعصر خمراً} ٣) [يوسف: ٣٦]، يعني: عصيراً يؤول إلى الخمر، وتقولُ العربُ في الولودِ: يهنيك الفارس، يوضّح هذا قوله: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: ٣١]، ومعلومٌ أنه لم يكلَّف في تلك الحال صلاةً، فلم يبقَ إلا أنه أخبرَ عن مستقبَلِ حالِه.

وجوابٌ ثالث: لو كانَ ذلكَ في حقِّ عيسى، لكانَ مخصوصاً به وإطْلاعاً له في تلكَ الحالِ ذلك القدرَ، فيكونُ كما أُطلِعَ نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ المعراج، فخرجَ بذلكَ عن حيِّزِ التكليفِ للإيمان به بطريقِ الاستدلالِ، إذ ثبتَ أنه يقظةً لامناماً، وهو الصَّحيحُ عندَنا، ولا يبقى تكليفُه بأن يؤمنَ بأنَّ في السَّماءِ ملائكةً مسبِّحين، ولا أنَّ للهِ جنَّةً وناراً مخلوقتين؛ لأنَّ عِيانَه - صلى الله عليه وسلم - أبطلَ حكمَ التكليفِ له في ذلك، وصارَ في حقه بعد تلكَ الليلةِ كالسَّماءِ ونجومِها، والأرضِ وجبالِها، لا يدخلُ إثباتُها تحتَ تكليفِه،


(١) أخرجه البخاري (١٢٠٦) (٢٤٨٢) (٣٤٣٦) (٣٤٦٦)، ومسلم (٢٥٥٠) (٧) و (٨).
(٢) انظر "الدر المنثور" ٥/ ١٣٦ للسيوطي.
(٣ - ٣) طمس في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>