للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما نجدُه من تحسينِ العقلِ، جازَ ذلك في حقِّكم من معاندةِ ما اعتقدناه من أن التحسينَ ليس إلَا من جهةِ السمعِ.

ولا يجوزُ أن يكونَ من جهةِ الاستدلالِ بأدلةِ العقلِ، لأننا وإياكم في النَظَرِ والاستدلالِ سواءٌ، فلو جازَ دعوى التقصيرِ منَا في أدلَةِ العقلِ إلى أن يُفْضِيَ بنا ذلك إلى جَحْدِ القبيحِ والحَسَنِ المؤدي إليها والعلم بها دليلُ العقلِ، لجازَ أن يذهبَ بعضُ النَاظرينَ المستدلِّينَ إلى قُبْحِ العدلِ وحُسْنِ كُفْرِ المُنْعم (١)؛ لقصورِه في النَظرِ.

وعلى انَا على ما كُنَّا نجدُه في نفوسِنا من إيلامِ الحيوانِ، وقتل الآباءِ والأولادِ، وقطعِ الأرحام؛ لأجلِ الكُفْرِ، ونكابدُ نفوسَنا في إيقاع ذلك مكابدةً نجدُها في نفوسِنَا نجدُها اليومَ بعدَ استقرارِ الشَرعٍ، ولاَ عِبْرَةَ بها؛ لأجل أن الشَرعَ حَسنَها، كذلك قبلَ الشرع، ومن هان عليه ذلك هانَ باستمرارِ العادةِ لا بتحسينِ العقولِ، كالقَصًابينَ والمُحارِبينَ الذين صارَ ذَبْحُ الحيوانِ عندَهم كتجارةٍ، أو تفصيلِ ثوبٍ، والمحاربة كَتَشْنيخ (٢) شجرةٍ، أو رميٍ إلى هَدَفٍ، ومع ذلك فلا عِبْرةَ بما نجدُه من ذلكَ معِ تحسينِ الشرع له، والأمرِ ببعضِه، وجعلِه في الهدايا والجهادِ قُرْبةَ وطاعةً، ومعلومٌ أَن هذا من أبعدِ المنافاةِ ما بين كونِه في فِطْرَةِ العقلِ قبيحاً إلى كونِه في الشَرعِ حَسَناً وطاعةً وقُرْبةً.

وأما الِإشارُة إلى النَهيِ عن التأفيفِ، فلِعِلْمِنا بأن النهيَ لأجلِ نفيِ المَضَرةِ، ولسنا نقولُ: إنَّا لا نعلمُ بالعقلِ مراتبَ الإِساءةِ، فلما


(١) في الأصل: "النعم"، والأنسب ما أثبتناه.
(٢) المُشنَخُ من النخل: ما نُقَح عنه سُلًاوه -أي: شوكه-. "اللسان": (شنخ).

<<  <  ج: ص:  >  >>