للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن (١) بانيها كان حكيماً، ولو كان ما ذكروه صحيحاً لوجبَ أن لايصحَّ الحساب، فإنَّ (٢) العملَ منه إنَّما هو حملُ خفي غامضٍ على جلي واضحٍ، ولما صحَّ ذلك بطَلَ ما استدلوا به على بطلان النَّظر.

وأمَّا قولُهم: لو كان صحيحاً لاشتركَ في معرفتِه الكلّ، كالمعاييرِ وسائرِ المقاديرِ من العدد والكيلِ والوزن والمساحةِ، فلا فرقَ بينهما عندنا، فإنَّه إذا كان محقِّقاً فِى الحساب قلَّ أن يُخطئَ المقدارَ مع صحَّةِ الاعتبارِ، وكذلكَ في النَّظرِ والاستدلال. وإن قصَّرَ في الاعتبارِ أخطأ في الموضعين وإن تفاوتا في الرُّتبة، كان أحدُهما أسرعَ حصولاً وأسهلَ طريقاً.

وأمَّا دعواهم: بأدتَّ القولَ بالنَّظرِ لاينفكُّ معه الإنسان من فعل القبيح، فليست دعوى صحيحةً؛ لأنَّ ذلك إنما يصيرُ قبيحاً بعد التكليفِ لإصابةِ الحقِّ ونفي الجهل، وذلك إنَّما يكون بعد النَّظرِ، فأمَّا الطالبُ الباحثُ فإنَّه لايقبحُ منه شكٌّ ولا ارتيابٌ حالَ نظرِه إلى أن يعلم، فإذا علمَ، قبُحَ منه الشَكُ والجهلُ.

وجوابٌ جامعٌ عن جميع طرقِهم: أنَّ جميعَ ما ذكروه من أخطارِ النَّظرِ فالتقليدُ فيه أخطر، لأنَّا على غيرِ ثقةٍ من قول الغير، فكم من داعيةٍ يدعو إلى باطل، وكم من مستتبعِ لغيرِه على غير بيّنةٍ مما يدعو إليه؟ وكم من مذهبٍ يُظهِرُ ضدَّ ما يعتقده اتقاءَ مخافةِ سلطانٍ، أو عوامَّ، أو ميلاً إلى


(١) في الأصل: "كونه".
(٢) في الأصل: "فإنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>