للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحاسَّةِ السَّمع تُدركُ الأصوات، وبحاسَّة (١) البصر تُدركُ الألوان، ودركُ الطُّعومِ بالذوقِ، ودركُ الرَّوائح بالشَّمِّ، ومعلوم أنَّه لايجوز أن يقالَ: لما كأنا حاسَّة منها تدركُ محسوساً مخصوصاً، يجبُ أن تدركَ غيرَه أو يُدركَ بغيرِها.

ومنها: أن قالوا: أجمعَ القائسونَ على أنَّ علةَ الحكمِ المستنبطةِ تحتاجُ إلى دليلٍ، وكونُها تحتاجُ إلى دليلٍ يمنعُ كونَها دليلاً، بل تكونُ بهذه الرتبةِ كالحكمِ، والحكمُ لمَّا افتقر إلى دليلٍ لم يكن دليلاً.

فيقال: ليسَ الأمرُ على ما ذكرتُم؛ لأنَّ قولَ الرَّسول لم يثبت كونُه صدقاً إلاَّ بدلالةِ الإعجاز، ولم يكن احتياجُه إلى دليلٍ مانعاً من كونه دليلاً على الأحكام، وكذلك القرآنُ ثبت كونُه صدقاً وكلاماً لله سبحانَه بدليلِ العقل، ومع ذلكَ فهو دالّ على الأحكامِ.

وحدثُ الأعراض وأصل ثبوتها إنّما كانَ بدليلٍ، ثم إنَّها في أنفسِها بعدَ ثبوتِها بالدليلِ- الذي لولاه لما ثبتَ العلمُ بوجودِها ولا بحدثها- كأنا دليلاً على حدثِ الأجسامِ، فكلُّ مستدِلِّ بهما عدا علمِ الحسِّ والضَّرورةِ، معلوم بدليلٍ، وإن كانَ دليلاً في نفسه.

ومنها: أن قالوا: لابدَّ أن يجعلَ الله للمكلَّفِ طريقاً إلى معرفةِ حكمِه، والقياسُ لا يجوزُ أن يكونَ طريقاً إلى ذلك، بدليلِ أنَّه لابدَّ فيه بإجماع القائسين من علةٍ يقاسُ عليها، والعلَّةُ: صفةٌ أو حكم في الأصل، وهي


(١) في الأصل: "وحاسة".

<<  <  ج: ص:  >  >>