للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّ اعتبارَ ذلك يَشُقُّ ويُحرِجُ؛ لاختلافِ المذاهبِ، واتساع الفَلَواتِ، واحتياج العَوامِّ إِلى صلاةِ الجماعاتِ خلفَ المُصيبِ والمُخطئِ، وحاجتِهم إلي الصَّلاةِ خلفَ كلِّ بَر وفاجرٍ، فأَمَّا الحاجةُ إلى استفتاءِ المخطئِ، فإدت حصلت، فإِن الدِّلالةَ عليه والإِرشادَ لا (١) حاجةَ بنا إِليه، كما أَنَّنا نحكَمُ بصحَّةِ صلاةِ العامِّيِّ والأَعمى خلفَ المُجتهدِ في القِبلَةِ، وإِنْ سأَلنا عن الصَّلاةِ خلفَهم، لم نَحكُمْ ببُطلان صلاتِهِم، ولا يَدُلُّ ذلك على تجويزِ دِلالَتِنا للمُسترشِدِ السائلِ عن القِبْلةِ إِلى مَن نَعْلَمُ أَنَّه على خطأٍ فيها بالرَوايةِ الأُولى.

وبهذا قالَ أَكثرُ أَصحابِ الشَّافعيِّ، حتى إِنَّ القاضِيَ ابا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ، رحمه الله تعالي، بالغَ في ذلك، فقالَ: إِنَّني أَعلمُ إِصابتَنا للحقِّ، وأَقطَعُ بخطأِ مَنْ خالَفَنا، وأَمْنَعُه من الحكمِ باجتهادِه، غيرَ أَنَّني لا افَسِّقُهُ (٢).

ووافَقنا أَيضاً بِشْرٌ المريسِيُّ، والأَصَمُّ، وابنُ عُلَيَّةَ.

وقال أَبو الحسنِ الكَرْخِيُّ -فيما حكاه أَبو سُفْيَان السَّرخسِيُّ عنه-: مذهبُ أَصحابِنا جميعاً: أَنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ لِمَا كُلِّفَ من حُكمِ اللهِ تعالى، والحقُّ في واحدٍ من أَقاويلِ المُجتهدِينَ. قال: ومعنى ذلك: أَن الأَشْبَهَ واحدٌ عندَ اللهِ، إِلاَّ أنَّ المُجتهِدَ لم يكلَّفْ إِصابتَه.


(١) في الأصل: "بلا"
(٢) في الأصل: "أنقضه"، والمثبت من "المسودة": ٤٩٧ - ٤٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>