للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوجُّهِ، فإذا ترجَّحَ أحدُ المقصدينِ، خطا نحوَه؛ فالجسدُ (١) في حَجرِ الرَّأيِ، كما أنّ الرَّأيَ والجسدَ في حَجْر قدرِ اللهِ تعالى وقضائِه وتوفيقِه، فإذا ثبتَ هذا، علمَ أنَّه إنَّما جازَ الَنظرُ والاستدلال ووجَبَ؛ لكونِ الجهاتِ غيرَ متساويةٍ، وإنما هناك مطلوبٌ خفيٌّ تُظهِرُهُ الدَّلائِلُ.

فإِن قيلَ: لا نُسلِّمُ أَنَّ النظرَ واجب في مسائِلِ الاجتهادِ، بلِ الإنسانُ عندنا بالخيِارِ بين الأَقاويلِ، يأخُذُ منها بما شاءَ، كما نقولُ في أَعْيانِ الكَفاراتِ المُخيَّرِ فيها بينَ العِتْقِ والكسوةِ والإطعامِ.

قيل: هذا خِلافُ الكتابِ والإجماع، أَمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] والمرادُ به: كتابُ اللهِ وسُنةُ رسولِه، وأَمَّا الاجماعُ: فإِنَّ العلماءَ لا يَختلفُونَ في الفَرْق بين العامِّىِّ المُقلِّدِ، والعالمِ المجتهدِ، فبعضُ الناسِ يقولُ: إِنَّ العامِّيَّ يُقلِّد مَنْ شاءَ من المُجتهدِينَ، وبعضُهم قال: يَجْتهِد في أَعْيانِ المُجتهدينَ، ولا يقلِّدُ مَنْ شاءَ، بل الأَعْلمَ الأَوْرعَ، وأَمَّا العالمُ المجتهد، ففَرْضُه الاجتهاد، فلو كان مُخيَّراً في القول بأيّ مذهبٍ شاءَ، لكان كالعامِّيِّ سواءً، ولم يُفِدْهُ اجتهادُه رُتْبةً في التكَليفِ.

فإِن قيل: إنما يَتناظَرُونَ ويَجتهدُونَ في ذلك لمعرفةِ النصِّ والإجماع؛ حتى لايقْدِمُوا على مخالفتِهما.

قيل: هذا خطأ، لأَنَّ الاجتهادَ لا يَقَعُ إِلاًّ فيما لا نَصَّ فيه، ولا


(١) غير واضحة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>