للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: الضَّرورةُ ومَشقةُ السَّفَرِ حالٌ من أَحوالِ المُكلفِ، فحَسُنَ أَن يُخالِفَ الشَّرع بالنص بينَ الحالتَينِ رِفقاً ورُخْصةً، والاجتهادُ طَلَبٌ (١) لحق، وتَحر (٢) لمُصادفةِ معنىً، والناس في أَدواتِ النَّظَرِ وكُلِّيِّ العقول وإِزاحةِ العِللِ لا يَتفاوَتُونَ، وإِنَّما يَجِىءُ (٣) التفاوتُ من جِهَتِهم بنوع إهْمالٍ، ونوع تقليدٍ للرِّجالِ، وإِذا كان بالاجتهادِ، وعن صحةِ عَقْلٍ، وسلامةِ أَدواتِ النظرَ، فإذا وَقَعَ به أَحدُهما على المطلوبِ، ولم يَقَع الآخرُ على عَيْنِ ذلك، علِمَ أنَّه أَخطأَ.

ولأَنَّ ما ذَكَرُوه مِن تلك الأَعيانِ وَرَدَ النص فيها على سبيلِ التفصيلِ والمخالفةِ، فكان الحكمُ في حقِّ الشَّخصَيْنِ بحَسَبِ التفصيلِ، فأَمَّا في مسأَلتِنا، فنحن نَتكَلمُ فيما وَرَدَ الشَّرعُ فيه على سبيلِ العمومِ والاطلاق، فلا يجوزُ أَن يُقْضى بالحكمِ على سبيلِ التخصيصِ.

فإِن قيل: الدليلُ الذي يَذلُّ على الحكم ظَنُّ المُجتهِدِ، فأَمَّا الأَمارات فإِنها تَقَعُ متكافِئَةً، وظنّ كلِّ مُجتهِدٍ يَخُصُّه لا يتناولُ غيرَه.

قيل: هذا خَطَا، بل الدليل الكتابُ والسُّنةُ والقياسُ، ولهذا قالَ الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]، فَرَدَّ إِلى الكَتابِ والسُّنةِ، وقالً النبي - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذٍ حينَ بَعَثَهُ إِلى اليَمَنِ: "بمَ


(١) في الأصل: "طلباً".
(٢) في الأصل: "وتحرياً".
(٣) في الأصل: "هى مجئ".

<<  <  ج: ص:  >  >>