للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أَدِلتِنا في هذه المسأَلةِ: ما يُقارِب هذا، ويُسْتخرَجُ منه: أَنَّ تحليلَ الشَّيءِ وتحريمَه، وإِفسادَ العَقْدِ وتصحيحَه، لا يجوزُ ورودُ الشَّرْع به، ولو جاز ذلك، لجاز ورودُ النَّصِّ به، فيقول: النبيذ حلالٌ حرامٌ، والنكاحُ بغيرِ وَلِي أَو بغيرِ شهودٍ صحيحٌ فاسدٌ، فلما لم يَجُزْ وُرودُ الشَّرع به، ومجيءُ النصِّ عليه، لم يَجُزْ أَن يَدُلَّ عليه النظرُ والاجتهادُ.

يُبيِّنُ (١) صِحَّةَ هذا: أَنَّ النَّظرً والاجتهادَ نتيجةُ النصِّ والإجماع، فإذا استحال أن يدلَّ النصُّ والإجماع على تحليل الشيء وتحريمه على الإطلاق، استحالَ أن يدلَّ عليه النظر والاجتهاد، إذ لا يجوز أَن تَدُلَّ نتيجةُ الشَّيءِ على ما لا يَدُلُّ عليه أَصلُه.

فإن قيل: إِنَّما يَسْتحِيلُ ورودُ الشرع من جهة النظر والاجتهاد في حقِّ الَواحد، فأمَّا في حقِّ الاثنين، فلا يستحيل، أَلا ترى أَنَّ النَّصَّ قد وَرَدَ بتحليلِ المَيْتَةِ للمضْطَرِّ، وتحريمِها على الغَنِيِّ عنها، وإِحلالِ الفِطْرِ في رمضانَ للمسافرِ والمريضِ، وتحريمِه على الصَّحيح الحاضرِ، فكذلك هاهنا يجوزُ أن يَحِلَّ الشَّيءُ في حقِّ المجتهدِ، ويَحْرُمُ في حقِّ غيرِه، ويفسُدُ العقد في حقِّ مجتهدٍ، ويَصِحُّ في حقِّ غيرِه.

قيل: لسنا نُنْكِرُ ورودَ الشَّرْع بتحريمِ الشَّيءِ على شخصٍ، وإِباحتِه لغيرهِ؛ بحَسَبِ ما يَقْتضِيه الأَصلحُ أَو الحاجةُ، وبحَسَبِ ما تَقْتضِيهِ الدِّلالةُ من التفصيلِ والتخصيصِ، وإِنما نُنكِرُ ورودَ الشَّرْع بتحليلِ الشَّيء


(١) في الأصل: "بين".

<<  <  ج: ص:  >  >>