للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً ممَّا يدلُّ على فساد قولِهم؛ أنهم قد قالوا: إنه ما دلَّ على زوال مثلِ حكمِ الخطاب الأوَّلِ على وجهٍ لولا ورودُه لكان ثابتاً بالخطاب الأوَّلِ، وهذا تَصريحٌ منهم بأن الناسخَ يُزيلُ ما ثبتَ بالخطاب الأولِ، ولولا ورودُ الثاني لكان ما أزالَه ثابتاً بالخطاب الأولِ، وهم كلُّهم يقولون: ما أزالَه الناسخُ ما ثبتَ قَطُّ -على قولهم- بالخطاب الأول، ولا دخلَ تحتَهُ، ولو تَضَمَّنه ودخلَ تحتَه لم يَجُزْ رفعُه وإزالتُه؛ لأنه يُوجِبُ بزعمهم جميعَ ما ادَّعَوْه من الِإحالةِ في صفةِ الله عزَّ وجلَّ، وهذه مناقضةٌ ظاهرةٌ، فإذا كان لا بدَّ من الثبوت على مُوجَبِ قولِهم: لولا ورودُ الناسخِ لكان الحكم ثابتاً بالخطاب المتقدِّمِ، وجبَ لا مَحالَةَ دخولُ ما رفعَه الناسخُ تحت الخطابِ المتقدِّم، ورفعُه بعد ذلك بما أزالَه ونسخَه، وهذا ما لا حيلةَ لهم في دفعه، ولا شُبْهَةَ في تناقض كلامِهم فيه.

فصل

فأما قولُ مَنْ قال: حدُّه: أنه الدالُّ أو المبينُ عن مُدَّةِ العبادة، أو عن زمن انقطاع العبادةِ، فإنه قولٌ ظاهرُ السقوطِ؛ لأنه يوجبُ أن يكونَ قولُه: صُمْ إلىَ الليل، فإذا دخلَ الليلُ فلا تَصُمْ، نسخاً لقوله: صمِ اللَّيلَ؛ لأنه بيانٌ عن مدَّةِ زمنِ العبادةِ وعن انقطاعِها، بل كان يجبُ أن يكونَ قولُه: صم إلى الليل، نسخاً لقوله: صم؛ لأنه قولٌ فيه إثبات العبادةِ، وبيان مدَّتِها وزمنِ انقطاعِها، وذلك باطلٌ باتِّفاقٍ، فسقطَ ما قالوه.

وإن ضَمُّوا إلى ذلك أن يقولوا: الدال على مدةِ انقطاع العبادة، أو سقوطِ مثلِها، مع تَراخيه عن الحطاب المتقدِّمِ، دخل عَليهم ما

<<  <  ج: ص:  >  >>