للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديانات، ولو دَخَلنا على تسليمِه، وأَنَّه معتبرٌ على طريقِ النَّظر، لما امتنعَ أَن يُلهِمَ الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - الحقَّ والصَّوابَ في كلِّ حادثةٍ تَحدُث في عصرِه، فلا يعدو باجتهادِه الحقَّ عندَ الله، والصوابَ الذي هو أَصلحُ له ولأُمتِه، كما خص بعضَ أَتباعِه -وهو عمر بن الخطاب- فيما وافقَ الوحيُ فيه رأيَه، وموافقتُه (١) فيما بَدَرَ مِن عمرَ يجوزُ أَن تدومَ في حقِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، كما أَنَّه جعلَ له أَن يأْخذَ الماءَ من العطشان، ويَتزوجَ ما شاء من النسوان، وكما أَنه نَقَلَه من قبلةِ بيت المقدس إِلى الكعبةِ، وقال له: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤] فمَقْ نقلَهُ من قبلةٍ إِلى قبلةٍ ترجِّياً لرضاه، وجعلَ ذلك الرِّضا موافقاً للأَصلح، لا يَبعُدُ أَن يجعلَ رضاه ومشيئتَه مقصورتين علىِ ما هو الصَّوابُ عنده، ويُجنِّبَه إِرادةَ الخطأ، ومحبَّة المفاسد، ويَقْصُرَ مشيئته واختيارَه على الصالح، وعساه إِذا قال له: افعل ما تشاء، تَوَخَّى الصَّوابَ بنوع من النَّظر والاجتهاد، ولم يَحكُمْ بنادرةٍ شيئاً، من غيرِ تقديمِ رويةٍ، وهذا هو الظَّاهرُ من حاله - صلى الله عليه وسلم -، وما يليقُ بمحاسنِ سياستِه، وقد بدرَ منه ذلك مطاوي كلامه، حيث قال: "إِنى لأعطي الرَّجلَ وغيرُه أَحبُّ الي منه خوفاً على إيمانه، وإِنِّي لأَكِلُ أَقواماَ أَمنعهم (٢) إِلى إيمانهم" (٣)، والتأَلُّف (٤) بالمال، وإِن كان مأموراً به، لكن مقاديرُ العطا" كان موكولاً [بها] إِلى رايه.


(١) في الأصل: "ووافقه".
(٢) في الأصل: "اببفهم".
(٣) أخرجه مسلم (١٥٠) من حديث سعد بن أبي وقاص.
وأخرجه بنحوه البخاري (٩٢٣) من حديث عمرو بن تغلب.
(٤) في الأصل: "وبالف".

<<  <  ج: ص:  >  >>