للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الله سبحانه قد خيَّر بين أَعيانٍ في التكفيرِ فأَي الأنواع شاءَ، كفر به، وإنما كان كذلك عند المعتبرين للمصالح؛ لأَنَّه (١) علم أَنَّ المكلف لايختار واحداً من الأعيان إِلا وهو المصلحة والصَّوابُ، وكذلك وَكَلَ الى رأي المزكِّين إِخراجَ أَيِّ أَعيانِ الغنم أوِ البقرِ أَو الإِبل شاؤُوا، كذلك في إِطلاق رقبةٍ في الكفَّارة، فلم يُعيِّنْ أَحدَ رقابه من عبيده وإِمائه، بل وَكَلَ ذلك إِلي رايه.

وأَمَّا الخبر، فلا يمتنِعُ أَن يقالَ له: أَخبِرْ بالفتحِ أَو النصرِ، ثم يمدُّهم بالنَّصرِ والفتع تصديقاً لخبره، أَو يقالَ له: أَخبر بما تحِبّ أَن تخبرَ به، فيُحِبُّ أَن يُقوِّيَ قلوبَهم بالخبر السَّار، فيخبرُهم، فيؤيدُ الله خبرَه بتحقيق ذلك، فلا يَبعُدُ ذلك من طريق العقل والشَّرع؛ والواحد منَّا يقولُ لوكيلِه: وكَّلْتكَ وكالةً مطلقةً، فمهما رأَيتَ من المصلحة، فأَمضه واسلكه؛ فيصالح إِنْ رأَى الصُّلْحَ، ويبرئ إِن رأَئ الإِبراء ويُشَدِّدُ إِنْ رأَى التَّشديدَ ويسهلُ إِن رأَى التَّسهيلَ، مع ثقته براي وكيلِه وحِذْقِه، فما ظنّكَ بالقادِر على أَن لايوقعَ في قلبه إِلاَّ حب الأَصلح دونَ الأَفسدِ، ويقدرَ على تصديق إِخبارِ رسوله بإِيقاع ما أَخبرَ بوقوعه، والمنع لما أَخبرَ بعدمِ وقوعه، كما يُخبِر عن نفسه؟ مثل قوله في أَبي لهب: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)} [المسد: ٣]، وكما قال سبحانه: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: ٨٣]، فلما رأموا الخروجَ معه، ثبَّطهم، وقال سبحانه في جواب قولهم {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ}: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا


(١) في الأصل: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>