للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها؛ أنْ قالوا: إنَّ غصبَ الملكِ حقٌّ لآدمي، والتصرُّفَ فيهِ حقٌّ لَهُ، فإذا تابَ، فقدِ اعتذرَ إلى غيرِ مالكِ المجنيِّ عليهِ، فلا تسقطُ المعتبة واللائمةُ مِنْ جهةِ صاحبِ الحقِّ، كما لو جنى على شخصٍ، ثُمَّ اعتذَر إلى غيرِهِ، فإنَّه لا يؤتر في حقهِ، كذلكَ هاهنا.

فيقالُ: الله سبحانَة لَمَّا (١) أذنَ للغيرِ في أكل مالِ الغيرِ عندَ الضَّرورةِ، سقطَ حكمُ المأثمِ بالإذنِ من جهةِ اللهِ، وبقىَ الضَّمانُ للآدمي، فحسُنَ أَنْ تكونَ التوبةُ تلافياً يرجعُ إلى اللهِ سبحانَهُ، فتزيل مأثمَ التعدي، والبارئ هو المالك في الحقيقة، والآدمىُّ مستخلفٌ في المال، قال سبحانه: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: ٧]، {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: ١٢٩]، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: ١٦٥] فلا يُجعلُ الاعتذارُ للهِ (٢) سبحانَهُ كالاعتذارِ إلى بعضِ الخلقِ عن جنايةٍ أوقَعها بغيرِه، ولهذا أعنا على أنَّه إن لم يَتُبْ ويَنْدَمْ ويَعمَلْ على تركِ المعاودةِ، كان عاصياً، ووقعَ الخلافُ على صورةِ الفعلِ بعدَ التوبةِ، وأَجْمَعْنا على أنَّه لا يجبُ التنصلُ والاعتذارُ إلى غيرِ المالكِ مِنْ آحادِ الآدميينَ.

ومنها: أنْ قالوا: اليدُ ثابتةٌ، والتصرُّفُ حاصلٌ، والضَّررُ بتأَخّرِ تسليمِهِ، وتَمْكينِ المالكِ منْهُ، واقع، فلا معنى لإزالةِ المأثمِ معَ وجودِ سببِهِ ودوامِهِ.


(١) في الأصل: "لو".
(٢) في الأصل: "الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>