للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ لما راجعَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الاستنقاص، وتَضَرَّعَ (١) في التخفيفِ، نقصَ إلى أنْ جعلَتْ خمساً (٢)، وهذا هو النَّسخ قبلَ وقتِ الفعلِ بعينه، وقدْ دَللنا عل هذا الأصلِ، ولأنَّ لله (٣) سبحانه أنْ يكلِّفَ الواحدَ كما يكلفُ الجماعة، ويكلِّفَ في السمَّاءِ كما يكلفُ في الأرضِ، وقذ كلَّفَ الملائكةَ السجودَ لآدمَ عليهِ السلامُ، وكلَّفَ آدَم وحواءَ قبلَ الإهباطِ (٤) تركَ أكلِ الشَّجرةِ، فإذا كانَ المكانُ صالحاً، وكانَ الشخصُ صالحاً، جازَ أنْ يكلفَه ليلتزمَ ويعتقدَ، فيُثيبَه على توطينِ (٥) النَّفسِ على الأشقِّ الأكثرِ، ثُمّ ينسخَ ذلكَ بالأقلِّ الأسهل، وفي ذلك لطيفةٌ، وهو أنَّ الأخيرَ يسهلُ بإسقاطِ الأَوَّلِ، كما كلفَ مصابرة الواحدِ للعشرةِ، ثُمَّ خفَّفَ بأنْ أَسقطَ ذلك إلى اثنينِ، وهذا يوجد في السماءِ في حقِّ مَنْ كلَّفَه من الأنبياء، كما يوجد في الأرضِ، ولا فرقَ، وفي إخبارِه لأُمتِه بذلك ممّا يوجبُ شكرَه، فيُعْقِبهم الشكرَ على ذلك ثواباً، وما لم يَخْلُ عنْ هذه الفوائدِ لا وجهَ للمنع منه.

فصل

في شبههم

قالوا: الأمر في السَّماءِ أمرٌ بالتبليغ، فإذا نسخَه، صارَ كأنَّه قالَ لَه:


(١) في الأصلِ: "وصريح".
(٢) حديث المعراج وفرض الصلاة أخرجه البخاري (٣٢٠٧) و (٣٣٩٣) و (٣٤٣٠) و (٣٨٨٧)، ومسلم (١٦٤)، والترمذي (٣٣٤٦)، والنسائى (٤٤٧).
(٣) في الأصلِ: "الله".
(٤) في الأصل: "الإحباط".
(٥) في الأصل: "توطن".

<<  <  ج: ص:  >  >>