للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

هلْ يجوزُ ويمكنُ أنْ ينصَّ الشرعُ على كل الأحكامِ التي للهِ سبحانه في الحوادثِ، حتى لايبقى لمجتهد في ذلكَ قول، وتتعطل آراءُ المجتهدينَ في الحوادثِ؟

قالَ بعضن الناسِ: لايجوزُ.

وعندنا: أنه يجوزُ ذلكَ، واعتلَّ أصحابُنا في تجويزِهِ عقلاً: بأنَّ الله سبحانَهُ أَحْوَجَ إلى الآراءِ والاجتهاداتِ في الحوادثِ، بأن لاينصَّ عليها، وفي (١) ذلكَ الحكمة البالغة؛ حيثُ أظهرَ جواهرَ المجتهدينَ باستخراج أحكامِ شرعِهِ باستنباطِهم، كما قالَ سبحانَهُ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣]، {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣]، ويثيبهم (٢) على اجتهادِهم، كذلكَ لَهُ في تجويزِ تعميم (٣) الأحكامِ بالنصوص الغنية عنْ الاجتهادِ صيانةٌ لهمْ عَنِ الخطأِ، فإنَّ الاجتهادَ وإنْ كانَ طريقاً للإصابة؛ فإنه عرضةُ الخطأِ، وترفيهُهم (٤) عن كدِّ التأويلِ، وتعب الاستنباطِ فيه، وفي كلا الأمرينِ حِكمة بالغةٌ، وكرامة نافعة، فهذا في التجويزِ عقلاً.

وأمَّا الدلالةُ على الإمكانِ خلافاً لمنْ منعَ الإمكانَ، فإنَّ القادرَ على أنْ


(١) في الأصل: "ففي".
(٢) في الأصل: "ويثبهم".
(٣) في الأصل: "نعيبم".
(٤) في الأصل: "وترفههم".

<<  <  ج: ص:  >  >>