للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما ذَكَرْنا صفةَ المستفتي، وخَلَطْناه بأصول الفقهِ -وإن كان عامَياً مقلَداً ليس من الأدلةِ بشيء-؛ لأجل أن المفتيَ إنما يفتي عامِّياً له صفةٌ يسوغُ له التَّقليدُ للعالم إذا كان عليها، ولو لم يكُ كذلك، لَمَا جَازَ له الأخْذُ بقول غيرِه؛ فوجبَ ذِكْرُ صفتِهما وحالِهما.

وإذ (١) ذكرنا صفةَ المفتي والمستفتي، فقد ذكرنا أيضاً صفةَ الحاكمِ والمحكومِ عليه، وإن كان لا يصيرُ حاكماً بكونه عالماً بالأحكام، وممَّن يجوزُ تقليدُه، وإنما يصيرُ كذلك بأن يكونَ إماماً قد عَقَدَ له أهلُ الحَلِّ والعَقْدِ، أو متقلِّداً للحكم من قِبَلِ إمام أو مَنِ استخلفَه الِإمامُ.

فأما المحكومُ عليه فقد يكونُ عامِّياً، وقد يكونُ عالماً، والمستفتي لا يجوزُ أن يكونَ إلا عامَياً.

فإن قيل: قد بَيَّنْتُمُ الوجهَ الذي لأجله جَعَلْتُم المفتي والمستفتي من أصول الفقهِ، فما وجة جعلِكم الحظرَ والِإباحةَ من أصول الفقهِ؟

قيل: لى لان العالمَ إذا فقدَ الأدلَةَ في الحادثة، وجبَ أن يقِرَّ الأمرَ فيها على حكم العقلِ، إن كان ممَّن يُثْبِتُ به حظراً وإباحةً، فإن لم يكنْ ممَّن (٢) يقولُ بذلك، وكانت الحادثةُ تتردَّدُ بين شَغْلِ ذِمَّةٍ وبين فَراغِها؛ بنى الأمرَ على فراغ الذِّمَّةِ، وإن لم يكنْ ممَّن يقولُ بإباحة ولا حظرٍ بمقتضى العقلِ، بَنَى على ما دَلَّ عليه أصلُ السَّمعِ من الحظر


(١) في الأصل: "وإذا"، والجادة ما أثبتنا.
(٢) في الأصل: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>