للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: ذِمَّتي بما أقولُ رَهينَةٌ، وأنا به زَعيمٌ: إنَ امْرَأً صرَّحَتْ له العواقبُ عمَّا بين يَدَيْهِ من المَثُلاتِ، حَجَزَه التَّقوى عن تَقَحُّم الشُبُهاتِ، وإن شَرَّ النَّاسِ رجل قَمَشَ علماً في أوْباشٍ من النَّاسِ، فهو في قِطَع من الشُّبُهات كمِثْلِ نَسْجِ العنكبوتِ، خَباطُ عَشَواتٍ، رَكَابُ جهالاتٍ، لم يَعَضَّ على العلم بضِرْسٍ قاطعٍ فيَغْنَمَ، ولا سَكَت عمَّا لم يعلَمْ فيَسْلَمَ، فويلٌ للدِّماء والفُروجِ منه (١).

ولأن الرُّجوعَ في قِيَم المتلَفاتِ وأُرُوشِ الجِناياتِ لا يجوزُ، إلاَّ أن يكونَ المرجوعُ إليه من أهل الخِبْرةِ بأسعار الأسواقِ، فأوْلى في باب أحكامِ الشَّرعِ ألَّا يرجعَ إلى مَنْ لا خبرةَ له بها، أوكان مقصِّراً فيها.

فصل

وظاهرُ كلام أحمدَ جوازُ إرشادِ العاميِّ إلى مجتهدٍ يستفتيه، وإن كان المدلولُ عليَه والمرشَدُ إليه يخالفُ مذهبَ الدالِّ؛ فإنه سُئِلَ عن مسألة، فقال: عليك بالمدنيِّين (٢). يعني: مذهبَ مالكٍ، وقال أيضاً لبعض أصحابه: لا تَحْمِل النَّاس على مذهبك. يعني: دَعْهم يَتَرَخَّصون بمذاهَب النَّاسِ.

وهذا يعطي أن مذهبَه: أن كلَّ مجتهدٍ مصيب، لأنه لو كان عنده على خطأ، لَمَا جازَ له دَلالَةُ الطالب للحقِّ على مَنْ يعتقدُ أنه على


(١) انظر الخطبة بطولها في "الفائق" للزمخشري ٢/ ١٥ - ١٦، و"نهج البلاغة" ١/ ١٠٥ - ١٠٨.
(٢) انظر هذه الرواية بتمامها في "العدة" ٤/ ١٢٢٦، و"المسودة" ص ٤٦٣، و"طبقات الحنابلة" ١/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>