للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السائلُ: هل لك مذهب في التجسيم؟ فإذا قال: نَعَمْ، قال: ما هو؟ فجاء السؤالُ عن ماهيَّة المذهب بعد السؤال عن آنِيَّة المذهب، وكان ذلك في المرتبة الأولى من سؤَالات الجدلِ.

فإذا قال المسؤول: مذهبي أن الصانعَ جسمٌ، فقال السائلُ: ما الدليلُ على أن القديمَ جسمق؟ فقال المجيبُ: فعلُه. فهذا جوابٌ مُحدَّدٌ، وإن كان باطلاً، فإن قال السائلُ: ما وجهُ دلالةِ فعلِه على أنه جسم؟ فقال المجيبُ: إنه لا يُعْقَل في الشاهدِ فاعلٌ إلا جسم، فجوابُه محدَّدٌ، لكنَّه لا يدل على ما قال.

وإنما يحتاجُ السائل إلى المطالبة بوجهِ الدَّلالةِ إذا كان المجيبُ قد ذكرَ دليلَه من وجهٍ لا يقتضي الحكمَ، إذ كان الشيءُ الواحدُ قد يُشارُ إليه من جهتين: إحداهما (١) تقتضي الحكمَ، والأخرى لا تقتضيه، كقولك: العالَمُ دليل على الباري. فليس في هذا بيان من أيِّ وجهٍ دَلَّ، فإذا كان من جهة أنه فعلَ، أو من جهة أنه حكمَ، أبانَ الوجهَ الذي منه دَلَّ.

فإن قال السائلُ: وما برهانُك على أنه لا يُعقلُ في الشاهد فاعلٌ إلا جسماً؟ ساغَ له ذلك؛ لأنه على دعوى لا يقتضيها العقلُ، فإن قال المجيبُ: إن كلَّ فاعلٍ في الشاهد جسمٌ، فقد أتى بجوابٍ صادقٍ في


= حيث مرتبته الذاتية. والمقصود بها هنا -كما هو واضح-: وجود مذهب للمخاطب في المسألة، فالسؤال عنه يكون بالضرورة سابقاً على سؤاله عن كنه هذا المذهب وحقيقته.
(١) في الأصل: "أحديهما"، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>