للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدليلُ على أنَ له أنْ يسألَ عن هذا: أنه قد يَعْرِفُ اللهَ تعالى فاعلًا وأنه لا فاعلَ في الشاهد إلا جسمٌ مَنْ لا يعلمُ أن اللهَ جسمٌ، فلو كانت هذه المعرفةُ مُغنيةً في العِلْم بأنه جسمٌ، لم تقَعْ إلا معه، وإذا لم تَقَعْ معه، فلا بُد من أن يَعرفَ كيفيةَ إيجابها له، ومتى ارتفعتْ المعرفةُ، ساغَتِ المسألةُ.

وجوابُ هذا على أصل الجِسميِّ واضحُ الترتيب، وإن لم يكنْ صحيحاً، وترتيبُه أن يقولَ السائلُ: لمَّا كان اللهُ تعالى مُثْبَتاً بالعقل دونَ غيرِه، وكان الواجبُ فيما بيننا ألا نُثْبِتَ بالعقل إلا معقولًا، كما لا نثبتُ بالسَّمْعِ إلا مسموعاً، وكما لا نثبتُ بالبَصَرِ إلا مُبْصَراً، وكان وجودُ الفعلِ مما ليس بجسم في الشاهد غيرَ معقولٍ، وجبَ أن يكونَ جسماً لدخوله في قسم المعقولاتِ، وإلا فقد بَطَلَ أن يكونَ معقولًا، وكان تثبيتُه غيرَ معقولٍ، وهذا ما يدعيه الملحدون. وإنما صار هذا جواب تلك المسالةِ؛ لأنه خبرٌ عن كيفيةِ ما اعتلَّ به الجسْميُّ، فظنَ أنه برهانُ ذلك، وعلى السائل إذا ورَدَ عليه هذا الجوابُ أن يَطْعنَ فيه بغير تسليمٍ، فهو أَولى كما وصفنا، فإن أرادَ أخْذَ المجيب بطَرْدِ علَّتِه، قَدَّمَ على ذلك مقدمةً تُحررُ السؤالَ، فقال للمجيب (١): ألَيس إذا كان مثبَتاً بالعقول لم يَجُزْ أن يُعتقدَ فيه ما ليس بمعقولٍ؟ فإن قال المجيبُ: لا. نقَضَ علتَه، وكان للسائل أن يقولَ له: فلِمَ زعمتَ أنه جسمٌ لموضع المعقولِ، وأنت توجبُ إخراجَه من المعقول؟ أرأيتَ إن كان تثبيتُ المعقولِ واجباً لأنه معقولٌ، أليس يجبُ أن يكونَ كل معقولٍ واجبَ التثبيتَ إذ هو معقولٌ؟ فإن قال: بلى. قال له: فهلَّا قلتَ: هو


(١) في الأصل: "المجيب"، وصوبناه بما يقتضيه السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>