للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلمُ يحصلُ عَقيبَ النَظَرِ والاستدلالِ، فبِمَ تَفْصِلون بين العلَّةِ (١) والقدرة والشرطِ؟ وكلُّ حادثٍ إنما يحدثُ عن اللهِ سبحانه فِعْلاً وخَلْقاً عند هذه الأشياءِ، لا عنها ولا بها ولا عن تأثيرِها، وإنما يتحقَقُ الفرقُ على مذهب مَن جعلَ العلَّةَ موجبةً ومولِّدةً ومثمِرةً، وجعلَ الشَرطَ مهيئاً ومصحِّحاً، كالسكين صالحةٌ للقَطع متهيِّئةٌ له، لا موجبةٌ لحصولِه، فيقعُ حينئذٍ الفرقُ، فمن يجعلُها قدرةٌ يُخرجُها عن كونِها عِلَّةً (٢)؛ لكونها مصحِّحةً لا موجبةً، ومن جعلَها علَّةً أخرجَها عن كونها قدرةً لكون العلَّةِ موجبةً.

قيل: نَفْصِلُ بما أجراه اللهُ سبحانه من العادةِ، وأن المعلولَ يكونُ عَقيبَ العلَّةِ لا محالةَ، كتحرك الجسمِ عند وجودِ الحركةِ.

والمشروطُ قد يوجدُ بوجودِ الشَرطِ وقد لا يوجدُ، والمقدورُ قد يوجدُ عند وجودِ القدرةِ المحدثةِ مصاحباً لها لا محالةَ -على قولِ من يَجعل الاستطاعةَ مع الفعلِ-، ويتأخر عنها لا محالةَ لا بزمانٍ ولا بما يتقدَّرُ بقَدْرِ الزمانِ، وهو مقدورٌ قَدَّرَه القديمُ جَلَّتْ عظمتُه.

ونفصلُ الشرطَ عن العلَّةِ بأن الشرطَ في مطَرِدِ العادةِ مصحِّحٌ كحدِّ السكين للقطعِ، واعتمادُها عند هبوطِها على المَحَل بثِقَلِها هو العلَّةُ الموجِبة القطعَ.

وفي عللِ الشرعِ: الزِّنا علة العقوبةِ، والإِحصانُ شرطُها، واللهُ


(١) تكررت في الأصل.
(٢) في الأصل: "فمن يجعلها علة يخرجها عن كونها قدرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>