للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمِ، وذلك كرجلٍ نفى بقاءَ الحركةِ، فقيل له: لِمَ نَفَيْتَه عنها؟ فقال: لوجودِها، فهذا يلزمُه نفيُ البقاءِ عن الجسم؛ لأنه أيضاً موجود.

فلو قال: الجسمُ يتحركُ، ويسكنُ وُيحِسُّ، والحركةُ لا يجوزُ شيءٌ من هذا عليها.

قيل له: جميعُ ما ذكرتَ ووصفتَ به الجسمَ لا يمنعُ الوجودَ الذي عَللْتَ به في نفي البقاءِ، وإذا لم تَنْفِ الوجودَ -وهو علَّةُ عدم البقاءِ على ما ذكرتَ-، وجبَ أن لا ينتفيَ المعلولُ مع وجودِ علتِه لِماَ ذكرتَه من الأوصافِ التي اختصَّ بها الجسمُ.

ويقال له: ولِمَ جعلتَ الأوصافَ التي ذكرتَها للجسم وفي الجسمِ مانعةً من المعلولِ؟ وهي مما لم تُزِلِ العلَّةَ ولم تُعِدمْها، وهي الوجودُ.

ومثالٌ آخرُ لإِجراءِ العلَّةِ في المعلولِ: وهو أنَا متى علَّلنا كونَ القَارِ (١) أسودَ لقيام السوادِ به، وجبَ أن يكونَ ذلك جارياً في كلُّ محلٍّ فيه سوادٌ من سَبَج (٢) وثوبٍ وحيوانٍ؛ إذ كانت العلةُ لا تخِلٌّ بمعلولها، كما أن المعلولَ لا يكونُ دون علتِه.

وقد قيل: إن إجراءَ العلَّةِ في المعلول: الإِلحاقُ بالمذهب كلُّ ما يلزم عليه، وهذا لا يصحُّ؛ لأن هذا يُفضي إلى أن يَطَرِدَ المذهبُ لتصحَ العلةُ، وإنما تُؤخذُ المذاهبُ من العلل، فأمَّا أن تؤخَذ صحةُ العللِ من المذاهب فلا.


(١) القار، أو القير، بالكسر: شيء أسود يطلى به السُّفُن والإبل، أو هما: الزفْت.
"القاموس المحيط" (قير).
(٢) السَّبَج: الخَرَز الأسود. "اللسان" (سبج).

<<  <  ج: ص:  >  >>