للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ ليس لي جَحْد الضرورةِ والإِجماعِ، لِما في ذلك من الفسادِ.

قيل: لسنا نحن الآمرين لك بارتكاب الفسادِ، ولا ابتدأناك بذلك، وإنما أخبرناك بأن علَّتَك التي علَّلْتَ بهاَ في عدم بقاءِ الحركةِ وإنهاءِ الوجودِ كأنها آمرةٌ لك من طريق النطقِ بأن كلَّ موجودٍ لا يبقى، ولو تَصَوَّرْتَها ناطقةً لخاطَبَتْكَ به دوننا، فكأننا مع ثبوتِ هذه القاعدةِ نقول لك: إن علتك توجبُ عليك كذا وتأمرُك بكذا، فيجبُ أن تتمسَّك بطاعتِها حيثُ تمسكْتَ بها، أو اخترْ معصيَتها بتركِ التمسّكِ بها حيثُ بانَ لك فساد ما أدَّتْ بك إليه، ولولا أن الذي الزَمتك العلةُ التي تمسَّكتَ بها فاسدٌ، لَمَا كسرْتَ مذهبَك، ولو كان الباطلُ لا يلْزِمُ صاحبَه إلا صحيحاً، لم يكنْ بين الحقِّ والباطلِ فرقٌ.

جوابٌ آخرُ: وهو أنه قد وجبَ عليكَ الحكمُ بفسادِها حيث أدتْ بك إلى جَحْدِ الضَّروراتِ وأوجبَتْ عليك ذلك، إذ لو كانت صحيحةً، لَمَا أوجبَتْ جحدَ الصحيحِ.

ولو أن قائلًا قال: زيدٌ شجاعٌ لأنه أسود، وعمرٌو الأسود جبانٌ، بَطَلَ تعليله بالسوادِ وبانَ غَلطُه؛ حيث وُجِدَتْ علتة- وهي السَّواد- في محلٍّ لم توجِبْ له حكمَها، فإن أخذ يقول: وإنما لم يكن عمرٌو شجاعاً مع كونه أسودَ، لأنه ليس من قريشٍ.

قيل: فقد بأنَ بهذا القولِ منك أنك أغفلتَ وصفاً في العلة لم تذكرْه، ولو أنك ذكرتَه أولًا، فقلتَ: زيدٌ شجاعٌ لكونه أسودَ من قريشٍ. لكان صحيحاً في صورةِ التَّعليلِ، وإن لم يكن السَّوادُ مؤثِّراً في الحقيقةِ، وإبداءُ كلِّ عُذرٍ نصبَه المعتلّ لتخصيص العلَّةِ كان هو

<<  <  ج: ص:  >  >>